ومع ذلك فهناك حالات يصبح فيها هذا الموقف المصطنع مع طول الزّمن أشبه بطبيعة ثانية ، متمردة ، لا يمكن تذليلها ، لا يمكن تذليلها ، فهل يجب حينئذ أن نتقهقر أمام هذه الصّعوبة ، ونعاملها كواقع ليس في طاقة الإنسان أن يتجنبه ، بحيث ينبغي أن يقف أمامه موقفا سلبيا في إنتظار ما يؤول إليه؟
إنّ الحلّ الأصيل الّذي جاءت به الشّريعة الإسلامية مختلف عن ذلك تماما ، فهو يقوم على التّصدي لهذا الموقف ، وتناوله بطريقة خاصة ، حتّى يتاح للإنسان أن يرتقي مرة أخرى ، في المنحدر الّذي هبط منه ، شيئا فشيئا ، وبحيث يتسنى له ـ حين يبلغ مستوى معينا ـ أن يتقبّل النّظام الأخلاقي ، الّذي ظل حتّى ذلك الحين معلقا.
ولدينا في هذا المقام مثال واضح الدّلالة ، يقدمه لنا موقف القرآن في مواجهة إحدى العادات السّيئة ، الّتي تنوقلت على مدى الزّمن ، من جيل إلى جيل ، وغرست جذورها عميقة في الجهاز العصبي ، بل وفي كيان أولئك الذين مردوا عليها وأدمنوها.
نريد أن نتحدث عن ذلكم الخبال ، وتلكم الآفة الإنسانية الّتي هي الخمر. والآيات ـ الّتي نجد فيها إشارات إلى حالة السّكر ، وإلى الأشربة المتخمرة المسكرة ـ بلغت أربعا ، كانت رابعتها وأخيرتها هي الّتي نصّت على التّحريم الصّريح لهذه الأشربة.
أما الثّلاثة الأولى فلم تكن سوى مراحل تدريجية لتهيئة الإستعداد النّفسي لدى المؤمنين ، حتّى يتقبلوا هذا التّحريم.