وقد تمت الخطوة الأولى في هذه الطّريق في كلمة نزلت بمكة ، كلمة واحدة مسّت المسألة مسّا رفيقا ، فمن بين الخيرات الّتي إستودعها الله سبحانه في الطّبيعة ، يذكر القرآن : (ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) (١). ويضيف إليها : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) (٢). فهو لم يقصد إلّا إلى الموازنة بين «السّكر» ، والّثمرات الأخرى الّتي يصفها بأنّها «حسنة» ، دون أن يصف هذا السّكر نفسه. وبذلك صار لدى المؤمنين دافع إلى الإحساس ببعض التّحرج والوسوسة تجاه هذا النّوع من الشّراب.
ولكن ها هم أولاء بعد قليل من وصولهم إلى المدينة يفاجأون مرة أخرى بنص ثان ، من شأنه أن يقوي تحرجهم ، ووسوستهم ، وهو يعقد مقارنة موجزة بين منافع الخمر ، والميسر ، ومضارهما ، ويختم القرآن تلك المقارنة بهذه العبارات : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) (٣).
فإذا كان حقا ألّا شيء في هذه الدّنيا بخير مطلق ، أو شرّ محض ، وأنّ ما يسمى خيرا ، أو شرا ليس في جملته إلا ما يحتوي على نسبة أكبر من هذا ، أو ذاك. فإنّ النّتيجة الّتي نخلص إليها لا بد أن تكون الإدانة الحقيقية. بيد أنّ الّذي حدث هو أنّ التّحريم لم يكن واضحا بدرجة كافية لجميع العقول. ولذلك ظل عدد من المسلمين يشربون ، ولعلهم كانوا هم الغالبية ، على حين بدأ آخرون منذ ذلك الوقت الإمتناع عن الشّرب ، ومن ثم كان لازما بعض الأوامر الأكثر
__________________
(١) النّحل : ٧٦.
(٢) النّحل : ٧٦.
(٣) البقرة : ٢١٩.