ولقد أدركت عائشة رضي الله عنها هذا المعنى ، فيما رواه البخاري ، قالت : «حتّى إذا ثاب النّاس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام .. ولو نزل أوّل شيء : «لا تشربوا الخمر ـ لقالوا : لا ندع الخمر أبدا» (١).
وأكد عمر الثّاني ـ بن عبد العزيز ـ بدوره أهمية هذا المنهج في المجال السّياسي ، ففيما يحكى عنه أنّ ابنه عبد الملك قال له : «مالك لا تنفذ الأمور ، فو الله ما أبالي لو أنّ القدور غلت بي وبك في الحقّ؟»
فقال له عمر : «لا تعجل يا بنيّ ، فإنّ الله ذمّ الخمر في القرآن مرتين ، وحرّمها في الثّالثة ، وإنّي أخاف أن أحمل الحقّ على النّاس جملة ، فيدفعوه جملة ، ويكون من ذا فتنة» (٢).
جـ ـ تحديد الواجبات ، وتدرجها :
وهكذا نجد أنّ الإلزام الأخلاقي قد جاء في القرآن مشروطا بأمرين :
أوّلهما : أنّ النّشاط الّذي يستهدفه يجب أن يكون يسيرا على الطّبيعة الإنسانية بعامة ، أي «خاضعا لإرادة الإنسان».
وثانيهما : أن يكون هذا النّشاط ميسرا في واقع الحياة المحسوسة ، أي «يمكن ممارسته ، وغير إستبدادي».
وليس هذا هو كلّ شيء ؛ إذ أنّه لا يكفي ، حتّى ونحن في نطاق الخير الخلاقي ، أن يوصف نشاط بأنّه ممكن وعملي ، ليدخل في عداد الواجبات ،
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٤ / ١٩١٠ ح ٤٧٠٧ ، المصنّف لعبد الرّزاق الصّنعاني : ٣ / ٣٥٢ ح ٥٩٤٣.
(٢) الموافقات ، لأبي إسحاق الشّاطبي : ٢ / ٩٣ الطّبعة التّجارية ، الإمام جعفر بن محمد الصّادق لعبد الحليم الجندي : ١٥٣.