دون أن نذهب في هذه الطّريق إلى حدّ إلغاء جهدنا ، وإعفاء أنفسنا من واجبها. فقد رأينا ـ عموما ـ أنّ القاعدة لا تخضع للموقف بذاتها ، وإنّما هي تخضع له في خصائصها المكانية ـ الزّمانية ـ كالكمية ، والمدة ، والشّكل ، والتّأريخ .. إلخ ...
فإذا أردنا ألّا يكون القانون الأخلاقي حرفا ميتا فيجب ـ في الواقع ـ أن نجعله في إطار صارم من الزّمان ، والمكان ، والظّروف الخارجية المحضة ، يجب أن يجد القانون مجال تطبيقه بشكل ، أو بآخر.
ومن الطّبيعي ، والعدل أن تتطلب فاعلية هذا التّطبيق مرونة مناسبة ، للتكليف مع الواقع المستقل عن إرادتنا ؛ وعند ما يخضع التّكليف للضرورة عند هذا الحدّ ، فيقف أمام عقبة في هذا الواقع لا تقهر ، (مثلا : حالة الإنسان العاجز عن أداء واجبه العسكري ، أو المحروم الجائع الّذي لا يستطيع أن يمتنع عن الأطعمة النّجسة) ـ هنا تصبح المسألة أساسا هي تفادي الهلكة ، في فضيلة واحدة ، على حساب فضائل أخرى تعدلها ، أو تفوقها أهمية. وهكذا نجد أنّ لطف الشّريعة لم يكن الهدف منه تقليل الجهد ، بل إرساؤه على أساس عقلي ، أي «عقلنته» إن صح التّعبير.
ولسوف نرى فيما بعد (١) ، بأية طريقة حقق القرآن تركيب هاتين الفكرتين ، فلنكتف الآن بإستخلاص موقف القرآن أمام المشكلات المتعلقة بمفهوم الإلزام في ذاته.
ثالثا ـ «تناقضات الإلزام»
الحقّ أننا بإزاء فكرة الإلزام في ملتقى مجموعة من التّناقضات العملية الّتي
__________________
(١) انظر ، الفصل الخامس ـ الفقرة الثّالثة.