أصالة العامل النّفسي ضد فكرة صرامة المنطق : النّظرية الكانتية ، ونظرية روه [Rauh].
«كانت» :
من المعروف أنّه ـ لكي يقاوم هذا الفيلسوف الألماني بعض النّظريات الّتي روضت الأخلاق حين أخضعتها لجميع مطالب الحياة الدّنيوية ـ لم يكتف الرّجل برسم خط فاصل بين فكرة الأخلاق ، وفكرة الحياة الحسية ، بل مضى إلى أبعد من ذلك ، وأمعن في البعد ، فهو لم يكتف بأن جرد مفهوم الواجب من كلّ تجربة حسية ، وكلّ واقع مادي يمكن أن ينطبق عليه ، بل إنّه خلصه أيضا من صفته الخاصة ، من مادته التّكوينية الّتي تظهر في هذه القاعدة ، أو تلك ، فلم يبق له سوى صفته الشّكلية ، وهي أنّه قانون شامل صالح لجميع الإرادات ، وقد إستخلص من ذلك هذا التّعريف للواجب ، فهو : «كلّ سلوك يمكن أن يصاغ في قاعدة عامة ، دون أن يكون عرضة لنقد العقل ، أو تسخيفه» (١).
ولقد أعتقد كانت ـ إعتمادا على هذه الصّيغة المجردة إلى أقصى حدّ ـ أنّه يستطيع أن يستنبط علم «الواجبات الأخلاقية [la Deontologie Ethique] على ما قاله بنتام [Bentham] ؛ أعني : علم الواجبات الحسية الخاص بكلّ مفهوم عملي ، وذلك بتقدير كلّ سلوك عملي من حيث هو أخلاقي أو غير أخلاقي ، عن طريق وزنه بذلك الميزان الوحيد ، وهو صلاحيته لأن يصبح قانونا عاما.
أمشروع من هذا القبيل يمكن أن يتحقق فعلا؟ وهل أساس هذا البناء ذاته متين بحيث يدعمه؟. إليك من وجهة النّظر الّتي تهمنا تخطيطا للفكر الكانتي ،
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Toute action dont la maxime peut sans absurditeetre universalise e.