الخير ، والشّر يجيب : (استفت قلبك ، واستفت نفسك ، البرّ ما اطمأنّت إليه النّفس ، واطمأنّ إليه القلب ، والإثم ما حاك في النّفس ، وتردّد في الصّدر ، وإن أفتاك النّاس ، وأفتوك) (١).
ولكن ، قد يثور أعتراض ، إذا ما نظّم الشّرع ـ فيما عدا هذه الحالات المشتبهة النّادرة نسبيا ـ كلّ شيء ، وهو أعتراض يقول بأنّ الضّمير الفردي لا يقوم بأي دور في تقرير الواجب.
ونجيب على هذا : بأنّ الأعتراض سوف يكون محقا ، إذا كانت القاعدة قادرة دائما على تعيين جميع الأفراد الذين تحكمهم ـ أوّلا ـ ، وعلى التّنبؤ بعد ذلك لكلّ فرد بجميع الحالات الّتي يتعين عليه حلّها ، ثمّ تقدم له أخيرا في كلّ حالة ، صورة محسوسة لحكمها الإجماعي ، متفقا مع القواعد الأخرى.
وبعبارة أخرى ، سوف يكون الأعتراض محقا لو لم توجد سوى طريقة واحدة لإدراك القاعدة ، وطريقة واحدة لتطبيقها ، والتّوفيق بينها وبين القواعد الأخرى. ولكن الواقع لا يتفق مطلقا مع هذه النّظرة من نواحيها الثّلاثة.
ولو أفترضنا أنّ النّقطة الأولى قد حلت فلسوف نعرف ببساطة أنّ أكثر القواعد
__________________
(١) انظر ، مسند أحمد من طريق وابصة : ٤ / ٢٢٨ ، صحيح مسلم : ٤ / ١٩٨٠ ح ٢٢٥٣ من حديث النواس ، المجموع : ٩ / ١٥٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٣٢٠ ح ٢٥٣٣ ، معتصر المختصر : ٢ / ٢٠٨ ، مسند أبي يعلى : ٣ / ١٦٢ ح ١٥٨٧ ، جامع العلوم والحكم : ١ / ٢٤٩ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٣٥١ ح ٢٦٨٣ ، فتح الباري : ١ / ٢٢١ ، تفسير القرطبي : ٧ / ٣٩ ، حيث قال : هذا القول زندقة وكفر ؛ لأنّه إنكار علم من الشّرائع فإنّ الله قد أجرى سنته ، وأنفذ كلمته بأنّ أحكامه لا تعلم إلا بواسطة من قبل رسله ، أو السّفراء بينه وبين خلقه المبينين لشرائعه وأحكامه. وفي قول آخر للقرطبي : يقتل قائله ، ولا يستتاب ، ولا يحتاج معه إلى سؤال وجواب ، فإنّه يلزم منه هدم الأحكام وأثبات أنبياء بعد نبينا محمد صلىاللهعليهوآله.