الّتي قد نصوغها تحديدا ، تشتمل بالضرورة على بعض الجوانب غير المحددة ، ومن ثمّ فبيّن غير المحدد ، والمحدد يوجد كلّ التّأثير الممكن ، لا بالنسبة إلى الإختيار الحرّ لضمير نفسي فحسب ، وإنّما أيضا بالنسبة إلى التّقدير الذكي للضمير الأخلاقي. ذلك أنّ الخصائص المميزة لعمل الفرد لا يمكن تجاهلها كلّها ، كما لا يمكن تقديرها كلّها ، وهي كذلك تحمل في أغلب الأحيان هذه الصّفة المزدوجة ، سواء أكان ذلك على التّوالي ، بحسب الحالات ، أم في الآن نفسه بحسب الرّأي الّذي نأخذ به. وإذن فلا بد من جهد فردي ، وبصيرة خاصة لتقديرها بقيمتها الحقيقية ، وليختار منها ما يفرض منطقه أكثر.
هذا اللّجوء إلى الجهد الفردي لتحديد واجب الفرد في علاقته بالواقع الموضوعي ، هو واجب شامل يقع على عاتق الإنسان صاحب الدّنيا ، وصاحب الدّين ، وذلك بصرف النّظر عن إيجاد إمتياز مقصور على المتخصصين القادرين على التّشريع.
فهناك ضرورة تواجه كلّ فرد متى ما أريد الإنتقال من المفهوم الأخلاقي إلى العمل الأخلاقي. وكما أنّ القاضي يجب عليه أن يمحص كلّ حالة ، ليتحقق جيدا من أنّها فعلا الحالة المنصوص عليها في صيغة هذا القانون ، أو ذاك الحكم ، فإنّ كلا منا ملزم بأن يفتي لنفسه إذا ما كان الوجه الّذي يزمع تحقيقه موافقا فعلا لشرائط القاعدة (١). ولنأخذ على ذلك مثلا ، القاعدة الأخلاقية الّتي تأمرنا بأن نرعى حاجات اليتامى. فهذه القاعدة لا تشير بالنسبة إلى كلّ ظرف ـ إلى وزنه ، ودرجته ، ونوعه ، وصفته الكافية ، والمناسبة.
__________________
(١) انظر ، المستصفى للغزالي : ٢ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، والشّاطبي في الموافقات : ٤ / ٨٩ ـ ١٠٥.