وكذلك نجد أنّ القاعدة التّعبدية الّتي تأمر المؤمن بأن يتوجه إلى وجهة معينة في أثناء صلاته ، لم تعن بأن ترسم له في كلّ موقع سهما يعدل من إتجاهه تبعا له. والقاعدة القانونية الّتي تطلب إلى القاضي ألّا يقبل من الشّهود سوى الأشخاص العدول ، ذوي المروءة ، فهي لا تلقنه عدالة رجل معين ، أو نزاهته.
هذا البعد عن التّحديد الصّارم ، وهذا الصّمت الملازم لكلّ قاعدة ، وهذه المسافة الممتدة بين المفهوم ، والواقع ، ذلك كلّه أبلغ دعوة موجهة إلى ضميرنا ، ليستمر العمل التّشريعي الّذي بدأته القاعدة ، وعلينا أن نتابع هذا العمل إلى أن يزول كلّ غموض ، وبحيث يستطيع كلّ فرد أن يقول لنفسه : واجبي هنا فعلا ، وفي هذا العمل الفرد ، لا غير. فهناك إذن ، حيث تنتهي المهمة المحددة للقاعدة ، وينتهي معها إكراه سلطتها ـ يبدأ نشاط الفرد في ممارسة حريته. ونستطيع أن نمضي إلى أبعد من ذلك ، حين نواجه القاعدة من جهة تحديدها ، إذ ينبغي أن نعلم أنّ قاعدة ما ـ لم توضع مطلقا لتقييد حريتنا ، بل لتنميتها بطريقة معينة. وفائدة القاعدة المقررة أنّها أوّلا توفر ترددنا ، وتقلل بذلك من فرص أخطائنا ، بدلا من أن يترك تفكيرنا موزعا في كلّ الإتجاهات الممكنة ، بحثا عن أحكام صائبة. ثمّ إنّها حين تحصر مجال نشاطنا لا تعني إلّا تقوية هذا النّشاط وزيادة فاعليته ، شأن تيار الماء ، يحفر له مجراه ، وتدعم ضفتاه. فما سوف تفقده حريتنا في الأمتداد ، سوف تكسبه في العمق ، في بحثها عن أفضل الطّرق لأداء الواجب.
ومن ناحية أخرى لا يمكن القول أنّ هناك واجبا واحدا فحسب ، فهناك فوق تركب ظروف الحياة ، وتغيرها الدّائم ـ كثرة الأوامر الأخلاقية وتداخلها. ومن تقابل هاتين المجموعتين ينفتح أمام حريتنا أرحب المجالات إمتدادا ، ولكي