نقتنع بذلك نسمح لأنفسنا بإستعارة مثال من قواعد اللّعب. فمن المعلوم في لعبة الشّطرنج مثلا أنّ سير كلّ قطعة أمر بسيط ، وهو يتبع قاعدة محددة على وجه الدّقة. ومع ذلك هل يمكن القول بأنّ دقة القاعدة تجمد حرية اللاعب؟ .. الواقع المعلوم ـ على العكس ـ هو أنّ كلّ لاعب شطرنج يمكنه أن يمارس تفريع عملياته إلى ما لا نهاية له ، حتّى إنّ ترتيب اللّعب في دورين لم يحدث أن تماثل مطلقا. بيد أنّ أكثر الملاحظات أهمية في هذه المقارنة هي أنّ أصالة كلّ لاعب لا تكمن في طريقة تطبيقه للقاعدة ، وطريقة تحريكه لكلّ قطعة ، بقدر ما تكمن في طريقته الّتي يوجه بها الضّربات ، وينسق بين الحركات ، ويجمع القوى المختلفة. هنا تتجلى عبقرية اللاعب ، في حدسه الّذي يكشف به من خلال هذا التّيه ـ أقصر الطّرق ، وآمنها لبلوغ النّتيجة.
مثل هذا يحدث في النّظام الأخلاقي : فإنّ من بين المهام الّتي يتعين عليّ أداؤها ما يفرض نفسه عليّ كلّ يوم ، ومنها ما هو دوري ، أو ظرفي ، ومنها أخيرا ما لن تسنح فرصته سوى مرة واحدة في الحياة. وكلّ من جسمي ، وعقلي ، وأسرتي ، ووطني ، وسائر أعبائي ، يطلب نشاطا محددا بوساطة قاعدة. ومع ذلك ، فحين أستيقظ في الصّباح أستطيع بطرق شتى أن أقر جدول أعمالي ، وأسطر القائمة الّتي سوف أتبعها في تنفيذها ، ويمكنني في فترة معينة من الزّمن أداء عدد من الأعمال الحسنة ، فأضيف من الكمال لبعضها ما لا أضيفه للأخرى ، وأقدم عملا ، وأؤخر غيره ـ بقدر الإمكان ، وأكتفي بأشكال عادية من الإحسان ، أو أبلغ الجهد في خلق شكل جديد ، ذي قيمة أكبر. بل لقد يبلغ الأمر إلى حدّ أنّ مجرد إشارة ، أو لفتة واحدة يجب أن تعتبر تركيبا ينطوي على كثير ، أو قليل من