ولا ريب أننا نتكلم عن المسئولية بالمعنى الحقيقي ، الّذي قد يتفاوت في قوته ، وقد يحدث أن يستخدم هذا الأصطلاح بتوسيع دلالته ، أو إضعافها ، ليدل على مجرد تبني العمل. ولو لم يوجد إلزام ، ولا إمكانة سؤال ، أو إجابة ، فمنذ كان الخالق وحده في هذا العالم ، «إلها متفردا» ، يتصرف فيه متحكما ، فإنّه بهذا الأعتبار هو الصّانع المسئول عن أعماله ، بأكمل معاني الكلمة ، سبحانه وتعالى.
فلنقتصر إذن على مفهوم المسئولية الإنسانية ، الّتي إن لم تفترض سلفا فكرة إلزام صارم ، فعلى الأقل : الفكرة المعادلة لمثل أعلى ، أصطلح عليه مقدما ، بحيث يرى الإنسان أنّه مسئول عنه أمام نفسه.
وفي الدّراسة التّالية ، سوف نبحث أوّلا الصّفات العامة الّتي تنبع من تحليل هذه الفكرة ، ثمّ شروطها من الوجهة المزدوجة : الأخلاقية ، والدّينية ، وأخيرا جانبها الإجتماعي.
١ ـ تحليل الفكرة العامة للمسئولية :
ينتج عن التّحديد الأشتقاقي الّذي رأيناه ـ أنّ هذه الفكرة تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول : علاقته بأعماله ، وعلاقته به من يحكمون على هذه الأعمال.
فأمّا من ناحية العمل ، فإنّ مصطلح (المسئولية) ، بعكس ما كان يعتقد ، لا يدل إبتداء على علاقة واقع ، بل على علاقة حقّ يقره ، ويجب أن يسبقه في أحكامنا الخاصة. والمسئولية قبل كلّ شيء إستعداد فطري ، إنّها هذه المقدرة على أن يلزم المرء نفسه أوّلا ، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بإلتزامه بوساطة جهوده الخاصة.