الوسائل الضّرورية لفهم الشّرع ، والخضوع له. ولكن القرآن حين يتحدث عن النّوع الثّاني يتناوله في المستقبل : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) (١) ، إنّه يتبع نظام القيم ، وهو ثمن للمسئولية ، فينبغي أن يضمن إذن لأولئك الذين رعوا تكاليفهم بإخلاص ، وهو أمر طبيعي. وعلى هذا المبدأ تعتمد الحكمة القرآنية المشهورة : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٢).
ب ـ الأساس القانوني
هذا هو الشّرط الثّاني للمسئولية ، فالقرآن يعلمنا أنّ أحدا لن يحاسب على أفعاله دون أن يكون قد علم مسبقا أحكامها.
وهذا الإعلام يأتي من طريقين مختلفتين : داخلية ، وخارجية ، فقواعد القانون الأخلاقي في أكثر صورها شمولا مسجلة بشكل ما في أنفسنا ، وليس علينا ، لكي ندرك مغزاها ، سوى أن نستخدم قدراتنا ، وملكاتنا الفطرية : فنستشير عقلنا ، ونستبطن قلبنا ، أو نتبع غرائزنا الخيرة. ولما كانت معرفة هذا القانون الفطري في وسع كلّ إنسان ، على تفاوت بين الأفراد ، فإنّ هذه المعرفة تكفي قطعا لتأكيد مسئوليتنا نحو أنفسنا. ولم تنازع أكثر المدارس الإسلامية تشددا في أنّ هنالك نوعا من المسئولية الشّاملة القائمة على هذا التّكليف الفطري ، فهل يكفي هذا أيضا لإقرار مسئوليتنا عند الله؟ .. هنا تفترق المدارس. فعلى حين أنّ المعتزلة يرون ذلك ويقرونه بلا إستثناء ، وعلى حين أنّ الماتريدية
__________________
(١) الأعراف : ١٥٦.
(٢) الحجرات : ١٣.