بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم الكتاب
للاستاذ الدّكتور السّيد محمّد بدوي
عشت مع هذه الرّسالة الجامعية مرتين : مرة أثناء تأليفها ، ومرة أثناء ترجمتها.
أمّا عن تأليفها فقد كان ذلك في أوائل الأربعينات ، وكانت الحرب العالمية الثّانية قد بدأت تشتد وطأتها في أوروبا بعد هزيمة فرنسا ، وصحوة الحلفاء لوقف طغيان النّازي. وكنت مع الطّلبة العرب في باريس نلتمس في رحاب الأستاذ الجليل ما نحتاج إليه من رعاية في وقت الشّدة ، وكان هو يجمعنا في منزله في المناسبات الدّينية ، والقومية ليشعرنا بما افتقدناه من جو عائلي بسبب بعدنا عن الأوطان. وكنّا نجد عنده كرم الضّيافة العربية ، ونستمتع بأحاديثه ومناقشاته في شئون الدّين ، والعلم ، والسّياسة. وكان رحمهالله لا يضيق بما نثيره من آراء متطرفة أحيانا ، بل يفندها بروح العالم المستنير ، وفي سماحة ورحابة صدر ، ولا يزال بنا حتّى يقنعنا بوجهة نظره المستندة إلى البرهان العلمي والمنطقي.
ثم حظيت بشرف مصاهرته ، فازدادت صلتي به وثوقا ، ولمست عن كثب الجهود ، والخطط الّتي رسمها منذ أمد بعيد لنشر رسالة الإسلام في العالم الغربي. فعرفت أنّه كان قد أتقن الفرنسية إبّان طلبه للعلم في الأزهر الشّريف استعدادا لذلك اليوم الّذي يقوم فيه بواجبه العلمي ، والدّيني. فما أن وطأت قدمه أرض فرنسا حتّى بدأ في تحقيق