خطته ؛ ولم ينتهج الطّريق السّهلة الّتي انتهجها غيره بالشروع في تحضير رسالة الدّكتوراه رأسا ، بل فضل أن يسير في الطّريق الأكاديمي من بدايته ، ويفعل ما يفعله طلاب العلم من الفرنسيين الذين يعدون أنفسهم إعدادا أكاديميا رصينا. فالتحق بالسوربون للتحضير لدرجة الليسانس ، ودرس الفلسفة ، والمنطق ، والأخلاق ، وعلم النّفس ، وعلم الاجتماع على أيدي أساتذة السّوربون ، والكوليج دي فرانس من أمثال ماسينيون ، وليفي بروفنسال ، ولوسن ، وفالون ، وفوكونيه. ونجد أثر هذا التّكوين العلمي الرّصين في رسالته حيث لم يكتف بتوضيح وجهة النّظر الإسلامية ، بل كان يجليها بمقارنتها بآراء المفكرين والفلاسفة ، وكان لا يترك مناسبة إلا استعرض فيها رأي عالم من علماء الغرب ، أو نظرية من النّظريات السّائدة ، ثمّ يبيّن ما في هذه النّظرية أو في ذلك الرّأي من قصور أو خطأ ، ويعقب ذلك ببيان كمال النّظرية الأخلاقية في القرآن الكريم.
وقد استغرقت كتابة هذه الرّسالة ما يقرب من ست سنوات. ويبدو أنّ العالم الجليل قد شرع فيها في عام (١٩٤١ م) بعد أن انتهت حملة فرنسا ، وعاد إلى باريس بعد سنة أمضاها في بوردو (بجنوب غرب فرنسا) حين اقتربت الجيوش النّازية من العاصمة الفرنسية ، وأصبح سقوطها وشيكا ، وإذا أضفنا إلى هذه السّنوات السّت خمس سنوات قبلها أمضاها الاستاذ في التّعرف على مناهج العلوم في الغرب ، وتحضير درجة الليسانس ، فإنّه يكون قد أمضى ما بين إعداد العدة ، وتنفيذ مشروعه حوالي أحد عشر عاما. ولم تكن هذه بالفترة الطّويلة إذا قدرنا ما اكتنفها من سنوات الحرب العصيبة ، وما أثارته هذه الحرب من مشكلات مادية ، ونفسية كان الاستاذ يتحمل عبئها ، ويحاول إبعادها عن أسرته الكبيرة الّتي صحبته في غربته. وأذكر أنّه اضطر ـ أثناء هجوم الحلفاء لتحرير فرنسا ـ لقضاء أيام طويلة مع أسرته في مخبأ تحت الأرض ، كان