وإرادتنا فيما يتعلق بوجودها في حيز القوة ، كملكة إختيار بعامة ، لا تصدر فقط عن الفعل الخالق الأولي ، الّذي ليس فعلنا ـ ليس ذلك كلّه فحسب ، ولكن الطّريقة الخاصة الّتي تحقق بها كلّ إرادة إنسانية ذاتها فعلا ـ تخضع من وجوه كثيرة لسلطان الخالق ، ولو أنّها أوتيت الوسيلة الّتي تتخلص بها من علم الله ، وقدرته العلوية ، لأصبح في ملك الله ممالك بقدر ما يوجد في العالم من كائنات عاقلة.
إنّ وحدة الكون تتطلب وحدة التّدبير ، وتبرهن عليها ، ولن يأذن الله لمخلوقه أن ينقلب ضده ، فكلّ ما يجري على عينه خاضع لرقابته. ولئن كان الشّر الأخلاقي لا يتفق مع إرادته التّشريعية ، فما كان له أن يقف في وجه إرادته الخالقة ، فيجب إذن على الأقل ، ألّا يصادف عمل إرادتنا عائقا فوق الطّبيعة ؛ أي أنّه يجب أن يحصل من السّماء على نوع من الإجازة ، والرّضا ، وذلك هو ما تفيده الآية الكريمة : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) (١) ، والآية : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٢). وهذا الكلام لا ينازع فيه أي إنسان يؤمن بوجود عناية إلهية. فلنتجاوز هذا الحد.
إنّ الله تعالى سبحانه ـ فضلا عن هذه المساعدة السّلبية بعدم الإعتراض قد حاط (قدرتنا على الإختيار) بجهاز قوي ، ومعقد ، تتفرع عنه كلّ قراراتنا ؛ وهذا الجهاز يتألف من العقل ، والحواس ، والنّزعات ، والجاذبية الحسية ، والقيم الرّوحية ، كما تتضمن تلك الرّؤية الجوانية الّتي هي الضّمير ، وذلك النّور البراني
__________________
(١) الأنعام : ١١٢.
(٢) الدّهر : ٣٠ ، والتّكوير : ٢٩.