وأشهد أنّه قد بذل في التّرجمة نفسها جهدا كبيرا ، وذلك لصعوبة النّص في بعض المواضع ، ودقة الأفكار الفلسفية الّتي تعرض لها. ولا بد أنّه قد وقف ـ مثلما وقفت عند مراجعة التّرجمة ـ ساعات طويلة أمام عبارة من العبارات حتّى يطمئن إلى دقة التّرجمة ، وإلى التّعبير عن المعنى الّذي قصد إليه المؤلف.
وقد أسهمت في هذا الجهد بقدر ما أستطيع ، معتمدا على خبرتي بما عرفته من أسلوب المؤلف ، وطريقة تفكيره ، ودقته في إختيار اللفظ الّذي يعبر عن الفكرة. وأدى هذا التّعاون الوثيق بيني وبين المترجم إلى خروج التّرجمة على الصّورة الّتي نرضاها لها ، والّتي نضعها اليوم بين يدي القارىء العربي آملين في حسن تقديره.
والآن هل يسمح لنا القارىء بأن نقدم له خلاصة سريعة للأفكار الرّئيسية في الكتاب؟
إنّ الهدف الرّئيسي من هذا البحث هو إبراز الطّابع العام للأخلاق الّتي تستمد من كتاب الله الحكيم ، وذلك من النّاحيتين النّظرية ، والعملية.
أمّا عن البحث في الأسس النّظرية الّتي تقوم عليها المبادىء الأخلاقية في القرآن الكريم ، فإنّ المؤلف يعبر لنا ، دون مواربة ، عن شعوره بأنّه كان يضع قدميه لأوّل مرة على أرض لم تطأها قدم من قبل. لكن وعورة المسالك الّتي عزم ـ بمشيئة الله ـ على الخوض فيها لم تضعف من عزيمته ، بل كانت حافزا له على تحدي الصّعاب في سبيل خدمة دين الله الحنيف.
وهو لا ينكر أنّ عددا من فقهاء المسلمين قد بحثوا في مقاييس الخير والشّر ؛ وأنّ عددا من رجال الشّرع قد تكلموا في شروط المسئولية ؛ وأنّ بعض الأخلاقيين قد ناقشوا جدوى «الجهد الإنساني» وضرورة «النّيّة الطّيبة» غير أنّ هذه الجهود الّتي لا ينكر أحد قيمتها ظلت مبعثرة في بطون الكتب الّتي لم تقتصر على معالجة الأخلاق ،