السّنة ، الّتي تقرر أنّ هناك درجة أخرى من التّبعية الّتي تتصف بها إرادتنا بالنسبة إلى إرادة الخالق ، ومع ذلك فلسنا قادرين على أن نفعل ذلك إلّا إذا صغنا على الأقل تحفظين أوحى إلينا بهما القرآن.
أوّلهما : أنّ هذا الفضل الّذي يمنحه الله سبحانه لبعض العباد ، ويمنعه من دونهم لا يمكن أن يشتمل على محاباة ، أو اعتساف ، وعلى الرّغم من أنّ بعض النّصوص شديدة الإيجاز تنم أحيانا عن نوع من الإرادية المفرطة : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١) ـ فإنّ الإرادة الإلهية تبدو منظمة في ذاتها ، تبعا لما يتطلبه علم وعدالة معصومين ، فهي تتدخل لصالح من يستحق التّدخل : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) (٢) ، ولصالح من يعترف بالفضل : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٣) ، والّذي يتعطش لتلقيه ، فيبدو قلبه أهلا لاستقباله : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) (٤).
أمّا الذين هم بعكس ذلك ، قد أغلقوا الأعين عن النّور ، وسدوا آذانهم عن النّصيحة الطّيبة. فإنّ الله يذرهم في عماهم ، وصممهم ، لأنّ القادر المقتدر لا يتدخل عبثا مطلقا : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٥) ، (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ
__________________
(١) النّحل : ٩٣ ، وفاطر : ٨.
(٢) الفتح : ٢٦.
(٣) الأنعام : ٥٣.
(٤) الفتح : ١٨.
(٥) الزّخرف : ٣٦.