فليس بسبب أنّ الله قد «أراد» لنا أن «نريد» هذا أو ذاك ، إننا قد أردناه في واقع الأمر ، لأننا لا نقصد مطلقا ، أثناء عملنا ، إلى أن يتخذنا الله سبحانه أداة الإنجاز إرادته المقدسة ، ما دمنا لا ندري شيئا عن هذه الإرادة الإلهية مقدما.
ولكنا ـ بغض النّظر عن أي إعتبار آخر ـ نرتضي فقط ، وبكلّ بساطة أن تكون تلك الإرادة في حسابنا الخاص ، ونوقع بهذا إلتزامنا. وهكذا يصبح الإنسان مسئولا ، وهو يحقق ذاته بنفسه ، كما يصبح مدينا منذ جعل من نفسه كفيلا.
وهكذا نفهم أن القرآن قد إلتزم أن يعلن مسئوليتنا أمام الله ، في نفس الآيات الّتي يبدو فيها أنّه يلحق الإرادة الإنسانية بالإرادة الإلهية بصورة كاملة. قال تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١).
وإذن فإنّ مبدأ المسئولية يظل في جميع الفروض مبدأ صحيحا دون مساس.
٣ ـ الجانب الإجتماعي للمسئولية :
وإذن ، فالشروط الضّرورية ، والكافية لمسئوليتنا أمام الله ، وأمام أنفسنا هي : أن يكون العمل شخصيا ، إراديا ، تم اداؤه بحرية (أقصد دون إكراه) ، وأن نكون على وعي كامل ، وعلى معرفة بالشرع ، أو القانون. فهل تظل هذه الشّروط صادقة مقبولة بالنسبة إلى مسئوليتنا أمام المجتمع الإسلامي ، الّذي نظمه القرآن؟ ...
لسوف نرى كيف يتجه الموقف القرآني إلى أن يتغير تغيرا محسوسا متى كان موضوعه المسئولية نحو النّاس ، وليس معنى هذا أنّ أي إنسان يستطيع أن يكون
__________________
(١) النّحل : ٩٣.