عنها المسئولية العقابية من حيث الواقع ـ فيعرض أمامنا تطورا تأريخيا ثانيا لهذه الفكرة عن المسئولية ، الّتي تحولت من كونها فكرة موضوعية في البداية ، إلى فكرة ذاتية أكثر فأكثر. ثم نجده يختم بحثه قائلا ـ بعد أن صاغ عدة تحفظات فرضتها الأحداث الملحوظة ـ : عند ما يحتفظ الجزاء بصفات القصاص ، أي عند ما يكون قودا منظما ، أو بصفات الدّية [Wergeld] (١) ، أو بصفات كفارة دينية. في هذه الظّروف كلّها يكفي العمل المادي الخاطىء وحده في خلق مسئولية المتهم الّذي يتحملها ، حتّى لو كان ناشئا عن إهمال ، أو كان ذا صبغة عرضية عن طريق الصّدقة المحضة.
ولا ريب أنّ مؤلفنا لكي ينتهي إلى هذه النّتيجة العامة ـ كان عليه أن يدرس النّظام العقابي خلال حقبة من التّأريخ ، وعلى جزء من سطح الأرض رحب الإمتداد ، يضم مجتمعات ذات تكوين متنوع إلى أقصى حدّ ، ابتداء من القبائل الأسترالية ، وقبائل شمالي إفريقية ، حتّى أوربا الحديثة ، مارا بالصين ، والهند البرهمية ، وفارس ، وبني إسرائيل ، واليونان ، والجرمانيين ، والرّومان ، ومجموعة الشّعوب المسيحية ، حتّى ليقول المؤلف : ولذلك وجدنا في نظام دراكون (٢) الّذي بقي في أثينا حتّى الغزو الرّوماني ـ أنّ عقوبة القتل الخطأ (اللاإرادي) كانت النّفي المؤقت (٣).
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Fauconnet, La Responsabilite, Etude de Sociologie, P. ٧١١
(٢) دراكون : شرع في أثينا ، في القرن السّابع قبل الميلاد ، وقد أشتهر القانون الّذي وضعه بصرامة عقوباته. «المعرب».
(٣) انظر ، ١ ـ Fauconnet, La Responsabilite, Etude de Sociologie, P. ٠١١