ولقد قلنا دائما من وجهة نظر الشّريعة الإسلامية : إنّ المسئولية العقابية تبقى شبيهة بالمسئولية الأخلاقية ، وهو قول صحيح في كثير من الوجوه ، ومع ذلك فهي تتميز عنها بسمات جوهرية.
وأوّلها : أنّه بالرغم من أنّ العمل الدّاخلي ، والواقع الخارجي مختلطان في العقل بطريقة لا تنفصم ، فيما يتعلق بأي حكم بالمسئولية ، سواء أكانت أخلاقية أم عقابية ، إلّا أن العنصر المتحكم ، أو مركز الثّقل يغير مكانه تبعا لوجهة النّظر الّتي يؤخذ بها. فحركة الضّمير هي الّتي تهمنا بصفة أساسية في مجال المسئولية الأخلاقية ، وهي لازمة لها بصورة مطلقة.
فالعمل البدني المحض لا يمكن مطلقا أن ينشىء مسئولية أخلاقية. والعمل الإرادي لا يمكن أن ينشئها إلا متجاوبا مع نيته. وبعكس ذلك نجد أنّ العقوبة تعترض مقدما واقعا خارجيا ، وتستهدفه دائما. ذلك أنّ أشد النّوايا سوادا ، كأشدها نقاء ، كلاهما عاجز عن أن يفرض حكما بالمسئولية القانونية حين يكون مفردا ، غير مصحوب بتعبيره المادي.
وقد حدث في الحالات القصوى ، أنّ العنصر المتفوق يمكن أن يصبح العنصر الوحيد ، وهو أمر لا ريبة معه في الإطار الأخلاقي ، وإذا ما اقتضى الأمر هنا إظهار الإرادة ، فليس معنى ذلك أنّ القرار الّذي أتخذ داخليا قرار قاصر في ذاته عن أن ينشىء الواقع الأخلاقي ، ولكن ، بما أنّ التّنفيذ لا يحقق إلا امتداد القرار ، والإبقاء عليه ، وتعزيزه (كما يقيس من وجهة نظر المشاهد درجة التّصميم والفاعلية). فإنّ هذا التّنفيذ يسبب بذلك مسئوليات جديدة ، أو على وجه الدّقة