الفقهاء (١) ، فيما يتعلق بتحديد الحقوق الّتي تسقط بهذا الأعفاء.
وقد لاحظ ابن حزم بحقّ أنّ الإمام الشّافعي في مذهبه القديم الّذي كان يعلمه في العراق ـ كان يعتقد أنّه يستطيع تعميم هذه الحالة الخاصة ، وأن يجعلها مبدأ عاما يقرر أنّ التّوبة تجبّ الحدود ، ولكنه حين جاء إلى مصر وأقام بها ، وعرف من السّنة قدرا أفضل من ذي قبل تخلى عن هذه الفكرة ، فعاد ، في مذهبه الجديد إلى النّظرية العامة ، الّتي تميز في هذا الصّدد نوعين من المسئولية ، تابعتين ، كلّ على حدة ، لنظامين إسلاميين مختلفين : أحدهما ينظم الحياة الدّنيا ، والآخر يخص الحكم العلوي في الآخرة. وبذلك تظل فاعلية التّوبة في الأطار الدّيني ،
__________________
(١) على حين مدّ بعضهم هذا الإبطال إلى جميع الجزاءات المتعلقة بالحقوق العامة ، الّتي ينتهكها العصاة المحاربون ، بصرف النّظر عن ردّ الأشياء الّتي ما زالت في أيديهم ـ يستثني آخرون أيضا القاتل الّذي لم تعف عنه أسرة الضّحايا ، وفريق ثالث يتحفظ أيضا بالنسبة إلى جميع الأضرار الّتي لم يتنازل عنها أصحاب الحقّ فيها. وفريق رابع ، ومنهم الإمام مالك ، لا يخلعون على هذه التّوبة سوى أهمية ضئيلة ، ويعلقون بخاصة على أنّ هناك نوعية واستثناء في جزاء المحاربين (أعني تطبيقه على قطاع الطّرق غير القتلة ، أو اللّصوص) ، وترى هذه المدرسة الأخيرة أنّ المحاربين الذين يعودون إلى كنف المجتمع بإختيارهم يستحقون أيضا جميع العقوبات المتصلة بالحقّ العام العادي ، وكذلك بالأحوال الشّخصية ، الّتي يطلق عليها : حقّ الله ، ومثال ذلك عقوبة الخمر. «المؤلف».
وقد أعتمد المؤلف في تعديد هذه الأقوال على ما ذكره ابن رشد في (بداية المجتهد ونهاية المقتصد : ٢ / ٤٩٧) ، قال : «وأمّا ما تسقط عنه التّوبة فاختلفوا في ذلك على أربعة أقوال ، أحدها : أنّ التّوبة إنّما تسقط عنه حدّ الحرابة فقط ، ويؤخذ بما سوى ذلك من حقوق الله ، وحقوق الآدميين ، وهو قول مالك. والقول الثّاني : أنّ التّوبة تسقط عنه حدّ الحرابة ، وجميع حقوق الله من الزّنا ، والشّراب ، والقطع في السّرقة ، ويتبع بحقوق النّاس ، من الأموال ، والدّماء ، إلّا أن يعفو أولياء المقتول. والثّالث : أنّ التّوبة ترفع جميع حقوق الله ، ويؤخذ بالدماء ، وفي الأموال بما وجد .. والقول الرّابع : أنّ التّوبة تسقط جميع حقوق الله ، وحقوق الآدميين من مال ، ودم ، إلّا ما كان من الأموال قائم العين بيده» ، وبذلك يتضح أنّ المؤلف قد خالف فقط في ترتيب الآراء المختلفة ، مع أنّه قد أحال قارئه إلى نفس المرجع. «المعرب».