«قاعدة» ذات طابع عام ، تستأثر باعتراف الجميع. فإذا تجاوزنا حدا معينا نجد أنّ «اليقين» الأخلاقي قد ترك مكانه للإحتمالات ، والتّردد ، والمتاهات.
وهذا هو السّبب الّذي من أجله بعث الله في النّاس ، من حين لآخر ، نفوسا متميزة ملهمة بالوحي الرّباني ، وتستطيع على مدى التّاريخ الإنساني أن تضطلع برسالة إيقاظ الضّمائر ، وإزالة الغشاوة عن النّور الفطري الّذي أودعه الله فينا. وهذه النّفوس المصطفاة ، بتعاليمها الدّقيقة الّتي تلقنها للناس ، تعمل على حصر الإختلافات بينهم في أضيق نطاق ممكن ، وخاصة بالنسبة لتقدير الحكم الأخلاقي. وهكذا يجد النّور الفطري ما يكمله ويقويه من وحي النّور الإلهي (نُورٌ عَلى نُورٍ) (١).
غير أنّ هذا التّعليم الايجابي لا يلقى علينا كأمر تعسفي ، أو تحكمي مجرد عن كلّ ما يبرره ، ويكسبه الصّيغة الشّرعية ؛ بل نجده على العكس يقدم إلينا مدعما بميزتين : فهو من ناحية يخاطب ضمائرنا ليحصل على موافقتها ، ومن ناحية أخرى يبرز «المثل الأعلى» في ذاته ليدعم به شرعيته. وهاتان الميزتان شرط مزدوج ، وضروري لتأسيس مفهوم «القانون الأخلاقي». ذلك أنّ القانون ـ أي قانون ـ إذا لم يحصل على موافقة
__________________
(١) النّور : ٣٥.
وانظر ، الحديث القدسي المروي عن ابن عباس رضى الله عنه ، في قوله تعالى : (نُورٌ عَلى نُورٍ) ، قال كذلك قلب المؤمن يعرف الله عزوجل ، ويستدل عليه بقلبه ، فإذا عرفه ازداد نورا على نور» كما جاء في تفسير القرطبي : ٧ / ٢٦ و : ١٢ / ٢٦٣ ، أو هو (تشبيه عبد المطلب بالمشكاة ، وعبد الله والد الرّسول صلىاللهعليهوآله بالزجاجة ، والنّبي صلىاللهعليهوآله بالمصباح) أو المؤمن يتقلب في خمسة من النّور ، فكلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى نور يوم القيامة إلى الجنة) كما جاء في تفسير ابن كثير : ٣ / ٢٩٢ ، تفسير الطّبري : ١٨ / ١٣٤ ـ ١٣٨ ، فتح الباري : ١١ / ١١٨ ، تحفة الاحوذي : ٥ / ٤٧٥ و : ٩ / ٢٦٢ ، فيض القدير : ٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ، أو الحديث الوضوء المروي عنه صلىاللهعليهوآله (الوضوء نور على نور) ، انظر ، الذكرى للسشهيد الأوّل : ٦٦ ، وسائل الشّيعة : ١ / ٣٧٧ ح ٨ ، جامع المقاصد : ١ / ٧٠.