للآخر؟! وبأي إحتقار كان ينظر إلى مهانة اللّص ، وخبال المخمور ، ودناءة الّنمام؟!.
الحقّ أنّ تلكم الأمّة لم تكن ينقصها العطف ، والرّحمة الإنسانية ، ولكنها كان يجب أن تسكت هذه الرّقة المصطنعة ، وتتجاوزها بروح النّظام ، والطّاعة ، وصدق الله : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (١).
أمّا فيما يتعلق بإحترام شخص الإنسان ، وحقّ الفرد في الأمن ، فمن البدهي أنّهما ما كانا لينشدهما إلّا أولئك الّذين يعرفون كيف يحافظون على كرامة الإنسان. وليس يقتصر أثر الزّلل على أنّه يفقد الفرد قيمته فحسب ، بل إنّه يجعله عرضة للتجريح ، وهو لا يلوم إلّا نفسه إذا أصابه هذا التّجريح ، لأنّه هو نفسه الّذي مزق أستاره الواقية.
واستمعوا إلى هذا التّأمل العميق لشاعر عربي (٢) :
يد بخمس مئين عسجد وديت |
|
ما بالها قطعت في ربع دينار |
عز الأمانة أغلاها ، وأرخصها |
|
ذلّ الخيانة ، فافهم حكمة الباري |
على أننا ينبغي أن نذكر أنّ هذه القسوة ضد اللّصوص ليست سوى قسوة ظاهرة ، وفي نطاق النّظرية ، أمّا من النّاحية العملية ، فكلما كانت العقوبة أشد تنكيلا قل غالبا تطبيقها ، فعظم الجزاء يجعل مخالفته أدنى إغراء ، وأقل إغواء ،
__________________
(١) النّور : ٢.
(٢) ينسب البيت الأوّل إلى أبي العلاء المعري بعد ما شكك في الشّريعة ، فاجابه بالبيت الثّاني الشّريف الرّضي ، وقيل : القاضي عبد الوهاب المالكي. انظر ، الإقناع : ١٢ / ١٩٠ ، مغني المحتاج : ٤ / ١٥٨ ، إعانة الطّالبين : ٤ / ١٧٨ ، فيض القدير : ١ / ٢٩٩.