وهناك أيضا نجد أنّ كثيرا من الفقهاء الّذين جعلوا من حالة «ماعز» قاعدة عامة ، لا يرتبون على هذا الإقرار أثرا إلّا بشرط أن يتكرر أربع مرات ، في موضع الشّهود الأربعة (١). وأيّا ما كان أمر هذا التّفصيل ، فإنّ قاعدة في الإجراءات العامة تظل دون مراء مسلما بها ، هي : أنّ براءة كلّ فرد هي الأساس الأوّل.
والواقع أنّ التّشريع الإسلامي يجعل من حياة الإنسان ، وبدنه ، وماله ، وعرضه ـ أشياء مقدسة ، أو حرمات ، وهو ما قرره رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله : «إنّ دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ـ وفي رواية : وأبشاركم ـ بينكم حرام كحرمة يومكم هذا ...» (٢).
وإذن فلسنا نستطيع أن نخرج من هذا اليقين الأولي إلّا بيقين عكسي ، أي أنّه يجب أن نستنفد كلّ الفروض المعقولة لمصلحة المتهم ، وألّا ندينه هكذا إعتباطا ، على حين يمكن أن تثبت براءته بسبب صحيح (٣).
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٦ / ٢٤٨٧ ح ٦٣٩٠ ـ ٦٣٩٥ ، سنن البيهقي الكبرى : ٧ / ٣٥٩ ، سنن أبي داود : ٤ / ١٤٥ ح ٤٤٢٠ ، فتح الباري : ٣ / ١٩٩ ، عون المعبود : ٨ / ٣٣٠ ، تحفة الأحوذي : ٤ / ٥٧٣ ، شرح النّووي على صحيح مسلم : ١١ / ١٨٩ ، تهذيب التّهذيب : ٥ / ٩٨ ح ١٩٠ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ١٩٠ ، الإصابة : ٣ / ٢٩٩ ح ٣٨٠٠ ، نصب الرّاية : ٣ / ٢٣٢١ ، سبل السّلام : ٤ / ٤ ، المغني : ٩ / ٦١.
(٢) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٣٧ ح ٦٧ وص : ٥٢ ح ١٠٥ و : ٢ / ٦١٩ ح ١٦٥٢ وص : ٦٢٠ ح ١٦٥٤ و : ٤ / ١٥٩٨ ح ٤١٤١ ، المهذب : ٢ / ٤٥٥ ، منته المطلب : ٢ / ٧١٣ ، صحيح ابن حبان : ٤ / ٣١١ و : ٩ / ٢٥٦ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٦٤٧ ح ١٧٤٢ ، الكافي : ٧ / ٢٧٣ ح ١٢ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٤٦١ ح ٢١٥٩ و : ٥ / ٢٧٣ ح ٣٠٨٧ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٦٩ ، مجمع الزّوائد : ١ / ١٣٩ ، مصباح الزّجاجة : ٤ / ١٦٣ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٧٧ ، سنن البيهقي الكبرى : ٥ / ٨ ، سنن أبي داود : ٢ / ١٨٥ ، وسائل الشّيعة : ١٩ / ٣ ح ٣.
(٣) ونقول (صحيح) ، لأنّ أي إفتراض وهمي ، أو معارض بالوقائع لن يقوى ـ كما بين ابن حزم في كتابه ـ