وهو الواقع الّذي لا ينكشف لنا ، لا بذاته ، ولا بوساطة صاحبه فإنّه سوف يكون من إختصاص محكمة أخرى غير محكمة البشر ، والطّريقة الّتي سوف يحاكم بها تتجاوز معرفتنا الرّاهنة ، والرّسول صلىاللهعليهوسلم يقول : «ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله ، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه» (١) ، وحتّى لو أنني فاجأت أحدا من النّاس ـ دون قصد مني ـ وكان يحاول أن يسرقني ، أو يرتكب خطأ أخلاقيا شخصيا ، بل لو قبضت عليه متلبسا بجرمه ، فلست ملزما بأن أقدمه للعدالة ، وقد كان من توجيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيما روي عن سعيد بن المسيب أنّه قال : «بلغني أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لرجل من أسلم ، يقال له : هزّال : «يا هزّال ، لو سترته بردائك لكان خيرا لك» (٢) ـ أي أننا في تقديمنا إياه إلى العدالة يجب أن نكون ـ في غالب الأمر ـ على بصيرة بأمره ، ومراعاة لجميع الظّروف الّتي أقدم فيها على فعلته ، فعلى حين أنّ من الأفضل لخير النّاس جميعا أن يسلم محترف الجريمة الشّرير إلى السّلطة الشّرعية ، نجد أنّ المسكين الّذي ربما أخطأ صدفة ، وبتأثير الضّعف ـ قد يستحق أن يشمله عفونا (٣).
__________________
(١) من حديث في صحيح البخاري : ١ / ١٥ ح ١٨ و : ٣ / ١٤١٣ ح ٣٦٧٩ و : ٦ / ٢٦٣٧ ح ٦٧٨٧ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٢٩٠ ح ٢٤٥٣ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ١٨ ، سنن الدّارقطني : ٣ / ٢١٤ ح ٤٠٠ ، فيض القدير : ٦ / ٤٥ ، المحلى : ٧ / ٤٩٥ ، وهو نصّ مبايعة النّبي صلىاللهعليهوسلم لجماعة من أصحابه منهم عبادة بن الصّامت.
(٢) انظر ، الموطأ للإمام مالك : ٢ / ٨٢١ ح ١٤٩٩ ، الّتمهيد لابن عبد البر : ٢٣ / ١٢٥ ح ٧٠٧ ، مسند أحمد : ٥ / ٢١٧ ح ٢١٩٤١ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ٣٣٠ ، السّنن الكبرى : ٤ / ٢٧٧ وص : ٣٠٦ ح ٧٢٧٦ ، مسند الرّبيع : ١ / ١٣٧ ح ٣٣٥ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٥ / ٥٤٠ ح ٢٨٧٨٤.
(٣) قال ابن حزم في المحلى : ١١ / ١٨٥ : «فنظرنا في ذلك فوجدنا قد صح بالبراهين الّتي قد أوردنا قبل ، ـ