ومن ناحية أخرى كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستهجن ذلك الميل الخطير لدى بعض النّاس ، الّذي يقعون في الحرام خفية ، ثمّ إذا بهم يثرثرون بما فعلوا ، وينشرون قصة مغامرتهم هذه ، فرحين غير مبالين ، يقول الرّسول : «كلّ أمتي معافي إلّا المجاهرين ، وإنّ من المجانة أن يعمل الرّجل بالليل عملا ، ثمّ يصبح وقد ستره الله فيقول : عملت البارحة كذا ، وكذا ، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه» (١).
ما الفائدة الّتي يجنيها امرؤ في الواقع من أن يجعل الآخرين شهودا على سقوطه؟ ... ولما ذا يضم إلى فساده ، ومجونه وقاحة الإستعلان به ، بدلا من أن يستره حياء ، كما يستر عورته؟ وأي جنون أن يجلب امرؤ على نفسه إحتقار النّاس ، فضلا عن إحتقار الله له ، وإحتقار ضميره ذاته؟ وأي جنون أن يضيف في
__________________
ـ أنّ الحدّ لا يجب إلّا بعد بلوغه إلى الإمام ، وصحته عنده ، فإذا الأمر كذلك فالترك لطلب صاحبه قبل ذلك مباح ، لأنّه لم يجب عليه فيما فعل حدّ بعد ، ورفعه أيضا مباح ، إذ لم يمنع من ذلك نصّ ، ولا إجماع ، فإذ كلا الأمرين مباح فالأحب إلينا ، دون أن يفتى به ، أن يعفى عنه ما كان وهلة ومستورا ، فإن آذى صاحبه وجاهر فرفعه أحبّ إلينا» ، وغرض الظّاهرية من هذا الموقف أن يرجح دائما الجانب الّذي يحقق مصلحة الجماعة والفرد معا ، فإن تعارضت المصلحتان قدمت مصلحة الجماعة ، وأدب الفرد تأديبا بقدر ما يستحق بإنحرافه ، وفي ذلك أيضا تربية لمن تقع له عورة مسلم ، أن يسترها ، إيثارا وترفعا عن التّعرض لأعراض النّاس ، حتّى من يقعون تحت طائلة القانون. فأين هذا ممن يلغون في أعراض الأبرياء ، ومن حرفتهم تلفيق التّهم للعباد ، ونشر الأكاذيب لتدمير أخلاقيات المجتمع ، وهدم سمعة الأفراد؟! .. (المعرب).
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٢٥٤ ح ٥٧٢١ ، صحيح مسلم : ٤ / ٣٢٩١ ح ٢٩٩٠ ، تفسير القرطبي : ١٤ / ٦١ ، مجمع الزّوائد : ١٠ / ١٩٢ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ٣٢٩ ، المعجم الأوسط : ٤ / ٣٨٣ ح ٤٤٩٨ ، المعجم الصّغير : ١ / ٣٧٨ ح ٦٣٢ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٣ / ٢٦٧ ح ٤٧٩٥ ، فيض القدير : ٥ / ١٢ ، التّذكرة : ٢ / ٤٥٦.