٣ ـ نظام التّوجيه القرآني ، ومكان الجزاء الإلهي :
لقد تناولنا حتّى الآن التّشريع القرآني في الجزاء الأخلاقي ، والجزاء الشّرعي ، وعلى الرّغم من اختلاف طبيعتهما ، وتعارض مجالات تأثيرهما ، ومناهجهما ، وأهدافهما ، حيث يؤثر أحدهما مباشرة على النّفس الإنسانية ، ويستهدف المطلق ، على حين لا يبلغ الآخر مباشرة سوى الحواس الظّاهرة ، ولا يرى أمامه سوى النّظام الإجتماعي. على الرّغم من هذا كلّه ، فإنّ بين نوعي الجزاء اللذين درسناهما آنفا حظا مشتركا ، هو أنّهما ينتميان إلى مجال الواقع ، وأنّهما يمارسان في هذه الدّنيا.
وعلينا أن ندرس الآن طبيعة الجزاء الإلهي ، وإمتداده ، ثمّ نحدد مكانته في نظام التّربية الأخلاقية القرآنية.
إنّ في العالم غير الإسلامي فكرة ذائعة تقول بأنّ محمّدا صلىاللهعليهوسلم لم يلق عنتا في هداية الشّعب العربي ، لأنّ الحرارة المحرقة ، وظروف الحياة القاسية كانا لديه وسيلتين مؤثرتين لإجتذاب قومه ، ودعوتهم إلى حياة أفضل ، لقد قال لهم : إفعلوا ما آمركم به ، ولسوف يعطيكم الله أنهارا وجنات ، تأكلون فيها وتشربون ما تشاءون (١).
ولم يكن من شأن الأدب الشّعبي وحده أن يدور حول هذه الفكرة : «جنّة
__________________
ـ مروي عن عائشة في مسند أحمد : ٦ / ١٨١ ح ٢٥٥١٣ ، حلية الأولياء : ٩ / ٤٣ ، المعجم الأوسط : ٣ / ٢٧٧ ح ٣١٣٩ ، السّنن الكبرى : ٤ / ٣١٠ ح ٧٢٩٣ ، سنن الدّارقطني : ٣ / ٢٠٧ ح ٣٧٠ ، صحيح ابن حبان : ١ / ٢٩٦ ح ٩٤ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ٢٨٢ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ١٦١ و ٢٦٧ و ٣٣٤.
(١) انظر ، شرح النّووي على صحيح مسلم : ٨ / ١٥٠ و ١٦٧.