قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (١) ، ويقول : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) (٢).
ومع ذلك فباسم هذا الإيمان نفسه ، نستطيع أن نستشف سببا مختفيا تحت هذا المظهر ، ونسلم ببعض الآثار الطّيبة ، وإن كانت قليلة التّحديد : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (٣).
والأمر الإلهي غير المسبب لا يأخذ في أعيننا نغمة تحكمية ، أو ديكتاتورية ، بل يتمثل لنا بصفات من العلم ، والحكمة ، جدا مقنعة ، حتّى تبلغ الرّضا الكلي لضميرنا (٤).
فإذا نحينا هذا النّوع من الأوامر المطلقة جانبا فسوف نرى أنّ الوصايا القرآنية تقوم على أسس مختلفة ، ولكنها يمكن أن ترتد إلى ثلاث مجموعات كبيرة هي : المسوغات الباطنة ، وإعتبارات الظّروف المحيطة ، وموقف الإنسان ، وإعتبارات النّتائج المترتبة على العمل.
فلنبحث على التّوالي هذه الطّوائف الثّلاث ، ولنحاول أن نرى فيم تتمثل ، وما المكان الّذي تحتله كلّ منها في المجموع؟
آ ـ المسوغات الباطنة
وأقصد بعبارة (المسوغات الباطنة) ـ الرّجوع في دعم التّكليف عقليا إلى
__________________
(١) الأحزاب : ٣٦.
(٢) النّساء : ٦٦.
(٣) النّساء : ٦٦.
(٤) انظر ، بخاصة (النّساء : ١١ و ١٢ و ٢٤ ، والتّوبة : ٦٠ ، والممتحنة : ١٠.