ولكن الظّالمين ليسوا وحدهم الّذين يلقون هذا الإذلال ، فالمؤمنون أنفسهم يجب أن يذكروا أنّ نورهم ، وإلهامهم ليسا سوى هبة من فضل الله ، يمكن أن تسحب ، إذا ما غيروا موقفهم : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) (١) ، وهكذا تبلغ النّصوص الّتي تصور هذه الحالة من ردود الفعل الأخلاقية العاجلة (ـ ٢٣ آ و ٤٠ ب).
د ـ الجانب الرّوحي :
وفي الجزاء الإلهي العاجل عنصر أخير ، يتمثل في التّعديل الّذي تحتمه أفعالنا في علاقاتنا مع الله. وليس ما يهمنا الآن هو هذه العلاقة الخارجية على نحو ما ، علاقة المشرّع بالمشرّع له ، أو علاقة القاضي بالمقضى فيه ، وهي العلاقة الّتي تتجلى في نوع من إطلاق السّراح ، أو الإدانة ، وتتيح لنا أن ننال مكافأة ، أو نتعرض لعقاب. وإنّما يهمنا علاقة أخرى أكثر عمقا ، وخصوصية ، كلّ ما عداها ليس إلّا رمزا تختلف درجة كماله ، هذه العلاقة ، حتّى في حالة عدم وجود أي تعبير إيجابي عنها ، تحتفظ بكلّ قيمتها العاطفية ، وهي أسبق في الوجود ، وفي الأهمية. ذلك أنّ موقفنا في مواجهة الشّريعة يجد إجابته العاجلة عند الله ، في قبوله أو رده ، قبل أن يحدث أي ردّ فعل خارجي ، فموقفنا هو الّذي يجعلنا مرضيين ، أو مردودين في عينه ، وهو الّذي يكسبنا ، أو يفقدنا حبّه ؛ الشّيء الجدير بأن نلتمسه عنده.
ولسوف يبرز القرآن الآن هذا الجانب الخاص ، ليؤكده من خلال تعبيره
__________________
(١) الإسراء : ٨٦ ، الشّورى : ٢٤ (ـ ٢ آ).