خاتمة
فتلك إذن أرقام تتحدث ببلاغة أكثر من أي تعليل نظري. وأخطر الإعتراضات الّتي تثار غالبا ضد الأخلاق الدّينية بعامة ينحصر في القول بأنّها تضرب صفحا عن الضّمير ، فرديا كان ، أو جماعيا ، وأنّها تستمد كلّ قوتها ، وكلّ سلطانها من إرادة علوية ، خارجة عن طبيعة الأشياء ، وأنّها تفرض نفسها بخاصة عن طريق التّرغيب في الثّواب ، والخوف من العقاب الّذي قررته تلك الإرادة العليا (١).
ونحن ندرك الآن أنّ هذا النّقص ـ في أية حالة من حالاته ـ لا يمس الأخلاق الإسلاميّة ، فالقرآن ـ كما رأينا ـ يعلن أنّ النّفس الإنسانيّة مستودع قانون أخلاقي فطري ، نفخ فيها منذ الخلق ، والنّبي صلىاللهعليهوسلم يأمر كلا منا أن يستفتي قلبه ، كيما يعرف ما يأخذ وما يدع.
بل إنّ أكثر المذاهب الإسلاميّة محافظة تتفق على أنّ تسلم للعقل الإنساني بمجال خاص في التّقدير ، والتّشريع ، حين يكون تحديد الخير ، والشّر مرجعه
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Boutteville, La morale de l\'eglise, et la morale natu ـ relle, p. ٥٤٤.