فهذه الفكرة إذن هي الشّعور الّذي يتحقق لدينا من نشاطنا الإرادي ، سواء حين يكون هذا النّشاط على وشك أن يمارس ، أو خلال ممارسته ، مع معرفتنا أننا نسعى بذلك إلى أداء واجب ملزم. فإذا حددنا هذه الفكرة على هذا النّحو فإنّها سوف تقدم لبحثنا عددا من المشكلات الّتي تطلب حلا : ما الّذي يحدث إذا ما غابت النّيّة كلّيا ، أو جزئيا؟ .. وإلى أي حدّ يمكن للنّيّة أن تغير طبيعة العمل؟ ... وهل تكون الغلبة في الفعل الأخلاقي التّام ، للعمل ، أو للنّيّة؟ .. وإلى أي حدّ تستطيع النّيّة بمفردها أن تقوم بدور واجب كامل؟ ..
آ ـ النّيّة كشرط للتصديق على الفعل
أمّا بالنسبة إلى المسألة الأولى ، وهي المسألة الّتي تتصل بغيبة النّيّة ، فلكي نزيدها تحديدا يجب أن نتذكر أوّلا ما سبق أن قيل في موضوع المسئولية.
ولقد رأينا (١) كيف أنّ الشّرع الإسلامي يضرب صفحا عن أي عمل ينقصه أحد العنصرين النّفسانيين : المعرفة ، والإرادة. فالعمل اللاشعوري ، أو الحدث المادي الصّرف ، الّذي يحدث عن طريقنا ، دون أن نشعر به ، بأنّ نكون نائمين مثلا ، هذا العمل لا يمكن أن يوصف بحسن ، أو قبح ، ما دام لا يمكن أن نحاسب عليه. ومن هذا القبيل العمل الشّعوري ، حين يكون غير إرادي ، إنّه حدث يتم ، بعلمنا ، ولكن مستقلا عن إرادتنا ، في صورة طارىء نتعرض له ، صادر عن قوة لا تقاوم ، وذلك كحادث ، أو تصادم.
ولقد كنّا نقول حتّى الآن : إنّ المبادىء القانونية ، والمبادىء الأخلاقية تسير
__________________
(١) انظر فيما مضى : ١٨٩ من الأصل الفرنسي.