بيد أنّ جميع الحالات الّتي ذكرناها لا تمثل صعوبات خطيرة ، ولا هي بحيث تحير الأخلاقي. غير أنّ الحقيقة ـ في واقع الأمر ـ أننا لا نعفى اعفاء كاملا من واجباتنا نتيجة حدث يقع مستقلا عنا ، أو رغم إرادتنا. ويجب في الأمثلة السّابقة أن نميز بين جانبين مختلفين للواجب ، ذلك أنّه إذا كانت العدالة تقتضي أن يتملك كلّ أنسان من الطّيبات ما له فيه حقّ ـ فإنّ ذلك ينتج عنه تكليف مزدوج : أوّلا ـ على من يحوز الشّيء مناقضا في حيازته الشّرع أن يرده إلى مالكه ، وثانيا ـ على الأمّة أن تحرص على ألا تضيع حقوق أصحاب الحقوق ، أو تهضم ، فإذا لم يتم الأداء بوساطة الحائز لزم التّدخل لإقرار النّظام.
وليست الدّولة وحدها ، وهي الهيئة العليا الّتي تمثل المجتمع في هذه المهمة العامّة ـ هي الّتي يجب أن تعمل لكي تسود العدالة بين النّاس ، بل إنّ كلّ عضو في الجماعة خاضع لهذه الضّرورة الأخلاقية ، في حدود وسائله المشروعة ، بحيث يترتب على ترك الرّذيلة تستشري ، والعدالة مختلة ـ أن يصبح التّقصير جريمة شاملة.
__________________
ـ وفي تأريخ اليعقوبيّ : «أنّ خالدا تزوج أمّ تميم بنت المنهال ـ زوج مالك ـ في تلك اللّيلة». تأريخ اليعقوبيّ : ٢ / ١١٠.
وهنا يأتي التّأويل ، والتّخطئة من قبل أبي بكر فيترك كلّ النّصوص الشّرعية من القرآن ، والسّنّة المطهرة ، ويأخذ بقول خالد بن الوليد بأنّه تأول ، وأصاب ، وأخطأ ، وعند ما طلب منه عمر بن الخطاب رجمه قال أبو بكر : ما كنت أغمد سيفا سله الله عليهم. المصادر السّابقة ، والإصابة : ٣ / ٣٤٠ ، الإستيعاب : ٣ / ٤٨٨ ، كنز العمّال : ٣ / ١٢٣ ح ٢٢٨. الله أكبر كبيرا! كيف يحل قتل رجل يتشهد الشّهادتين؟ والفقهاء لا يجوزون تكفير أهل القبلة فكيف بسفك الدّماء الّتي شدد الشّارع الحكيم عليها كثيرا؟ وكيف ولم تنصب رؤوسهم على القدور بعد القتل؟ وكيف ينزو على امرأة وهي لم تمض بعد عدتها؟ وكيف تعطل حدود الله؟ وكيف ... وكيف ...؟