ولا ريب أنّ الرّأي العام لا يرضى تماما بهذا ، فهو يرفض قطعا أن يمنح تقديره للأحداث الّتي تقع في ظروف كهذه ، بيد أنّ وجهة النّظر الّتي يتخذها في هذا التّقدير ذات طابع أخلاقي خالص.
وربما كان أخطر الإعتراضات هو أن نكشف عن وجود أفعال أخلاقية لا علاقة لها بالحياة الإجتماعية ، وهي أفعال قد يقنع القانون فيها ، سواء بالتعبير المادي عن الواجب في غيبة واقعه النّفسي ، أو بمجرد حضور هذا الواقع النّفسي ، دون أن يتطلب منه واقعا أخلاقيا : وهو الواقع الّذي تؤلف فكرة الواجب فيه جزءا جوهريا من العمل الشّعوري المقبول بحرية تامة. إنّ أفعالا كهذه لا ينبغي أن توجد من حيث المبدأ :
أوّلا ـ لأنّ القرآن يتطلب منا الشّعور النّفسي ، وحضور الذهن فيما نقول ، وفيما نفعل ، وذلك حين يمنعنا من أن نتصور أداء واجباتنا المقدسة ، ونحن في حال شرود ، أو إغماء ، أو سكر : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) (١).
ثمّ هو يتطلب منا بعد ذلك الضّمير الأخلاقي ، بالمفهوم الأسمى لهذه الكلمة : رضا القلب ، وتلقائية الفعل ، والسّرور ، والهمة ـ الّتي يؤدى بها الواجب. تلكم هي الصّفات الّتي تجعل أعمالنا مقبولة عند الله. وهذا هو السّبب فيما أعلنه القرآن من أنّ أولئك الّذين يقدمون بعض الصّدقات ، أو بعض شعائر التّقوى ، كسالى مرغمين ـ لن تقبل أعمالهم عند الله أبدا : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ
__________________
(١) النّساء : ٤٣.