أنّه طالما كان الأمر متعلقا «بواجب حقيقي إيجابي» ـ فإنّ أي مذهب إسلامي ـ فيما نعلم ـ لم يسلم بالصحة الأخلاقية لأي عمل موضوعي تنعدم فيه فكرة الواجب من الضّمير. ولقد رأينا فعلا أنّه حيثما توفرت هذه الصّحة للفعل أحيانا أمكن تصور القانون في صورة «عدالة محايدة» ، و«غير شخصية» ، تستهدف الشّيء ، لا الشّخص ، حتّى كأنّ الصّيغة لم تكن في هذا الصّدد : «يجب أن تفعلوا» ... ولكن : «من الضّروري أن يكون هذا» .. ، أي أنّهم بدأوا بإلغاء فكرة التّكليف ، في حالة معينة ، بالمعنى الأخلاقي للكلمة.
وهكذا نجد أنّ الإرتباط العام ، والضّروري الّذي أقره الحديث بين (العمل) و(النّيّة) ـ محترم بالإجماع.
ب ـ النّيّة ، وطبيعة العمل الأخلاقي :
لقد أتاح بحث المسألة الأولى ، الخاصة بغيبة النّيّة ، أن نثبت مبدأ النّيّة ، كشرط صحة أخلاقية في كلّ عمل. فالحدث اللاشعوري ، والحدث اللاإرادي ، بل والعمل الشّعوري الإرادي الّذي لا يتصور على أنّه خضوع (أو إخلال) بتكليف ، وإنّما يؤتى من جانبه الطّبيعي الدّنيوي ـ هذا كلّه عاجز عن الوفاء بواجبنا ، عند ما يجب.
ولنبحث الآن الدّور الإيجابي للنّيّة ، أعني : درجة فاعلية وجودها. وأوّل ما نبحثه هو مسألة معرفة ما إذا كان لها أن تحدث تعديلا عميقا في طبيعة العمل ذاتها ، وبعبارة أخرى : ما إذا كان العمل السّيىء الّذي وقع بحسن نيّة يكتسب بذلك قيمة أخلاقية ، ويصبح على هذا النّحو عملا فاضلا ، وفي الحالة المضادة هل يكون عكس هذه الحالة صحيحا؟.