لازم للأخلاقية ، بحيث إنّ أقل تمرد باطني يكفي ، لا لينزع عن أصح الأعمال كلّ قيمة فحسب ، بل ليجعله إجراميا. فتلك ضرورة مطلقة ، وباطنة ، على حين أنّ عدم التّنفيذ ، أو عدم المطابقة الظّاهرية ، على الرّغم من أنّهما يبتران العمل الأخلاقي ، وينتقصان الفعل الّذي تمّ بحسن نيّة ، فإنّهما لا يدينانه إلّا حين تكون هنالك استحالة مادية ، أو جهالة لا تدفع ، وحينئذ يمكن أن يطلق عليها : ضرورة كمال مطلقة ، أو ضرورة شرطية لإستكمال مطلب الأخلاق.
لكن هذه ليست سوى وجهة نظر إضافية ، فإنّ الوضع المبدئي للواجب يقتضي عملا كاملا ، يلتزم به الإنسان بكليته ، ويمتزج فيه العنصر الأخلاقي بالمادي ، والملكة الّتي تبدع ، وتنظم بالقوة الّتي تحقق ، ويتلاقى فيه العقل الّذي يفكر ، والقلب الّذي يخلص ، واليد الّتي تعمل.
ولم يبق بعد ذلك كلّه سوى مسألة تفرض نفسها من هذه الوجهة ، وهي أن نعرف إذا ما كان هذا الإقتضاء المزدوج يخص قيمة مساوية ، أو غير مساوية لهذين الجزءين المكونين للعمل الأخلاقي الكلّي ، وذلك هو ما تجيب عنه الفقرة التّالية :
ج ـ فضل النّيّة على العمل :
ها نحن أولاء ، قد قمنا ـ إن صح هذا التّعبير ـ بتشريح العمل القائم على النّيّة ، وميزنا فيه بين طبقتين : باطنة وظاهرة : (النّيّة ، والتّنفيذ) ، ثمّ إننا غيرنا شروط كلا العنصرين ، كلّ بدوره ، حتّى ندرك درجة أهميته الخاصة في البناء الأساسي للواجب.