طالما ألحّ الأخلاقيون المسلمون ، حتّى فقهاء العبادات ـ على هذه الفكرة ، كما أنّ القولة المتواترة بلا شك عن النّبي صلىاللهعليهوسلم ، ليس لها من معنى غير هذا. وعليه ، فإنّ ما يصدق على إلتباس الأعمال الظّاهرة يصدق تماما على جهودنا الباطنة. فعند ما يغفل الإنسان عن أمر الشّرع ، ثمّ هو يحس تلقائيا أنّه مدفوع إلى أن يتطلب من نفسه تجردا عن المنافع الأنانية في هذه الدّنيا ، وحبّا للأقربين ، وكرما ، وإخلاصا للإنسانية ، ـ فيجب ألّا ينخدع بهذه المشاعر النّبيلة ، لأنّ هذا الإقتضاء الّذي نشعر به ، من رغبة في تحسين صفتنا ، ربما كان مفروضا علينا بتأثير نوع من النّداء الفطري ، أو بتذوقنا للكمال ، أو بمجرد الرّغبة في ممارسة قدراتنا الخلاقة ، أو لكي ننال لأنفسنا نوعا من التّطابق النّزيه في سلوكنا الظّاهري ، وبذلك نطمئن إلى أننا لن نتعثر أمام النّاس ، أو لأسباب أخرى أقل ، أو أكثر تسويغا.
والنّيّة الّتي أصطحبها في أدائي لهذه المهمة هي الّتي تعطي لجهدي الباطن معنى ، وهي الّتي تطبعه بصفته النّوعية ، وتسمه بسمتها المميزة. إنّها عصبه ، وحياته ، وهي أشبه بروح الرّوح.
د ـ هل تكتفي النّيّة بنفسها
لقد عالجنا على التّوالي ثلاث حالات :
في الحالة الأولى : كان العمل يحدث بلا نيّة ـ وهي حالة (البطلان الأخلاقي).
وفي الحالة الثّانية : كان العمل ، والنّيّة حاضرين ، ولكن يعتورهما بعض النّقص فإمّا أن تكون النّيّة سيئة ـ وهي حالة «اللاأخلاقية» ، وإمّا أن يكون العمل غير مطابق للنّيّة ـ وهي حالة «الإنحراف» الّذي يحتمل الإدانة ، أو العفو.