والواقع أنّه لا يكفي أن نلفت النّظر إلى أنّ اللفظ العربي : (الإسلام) يعني : «الإنقياد» ، أي : الخضوع للإرادة الإلهية ، كما يعني ، في الوقت نفسه : «الإخلاص» ، وهو استبعاد أي سلطان آخر على الإرادة الإنسانيّة.
ولا يكفي كذلك أن نقول : كم يؤكد القرآن ضرورة أن يستلهم كلّ فرد في أعماله النّيّة النّقية؟. لأنّه يجب أيضا أن نبين فيم يتمثل هذا النّقاء؟ ومتى يتسنى لمزيج من الدّواعي ، والبواعث أن يقوض أركانه ، ويزيل بنيانه؟.
آ ـ دور النّيّة غير المباشرة ، وطبيعتها :
بيد أننا قبل أن ندخل في هذه التّفاصيل ينبغي أن نقول ابتداء : إلى أي مدى تقاس قيمة عمل ما ـ في الإسلام ـ بأهدافه البعيدة ، ونكتفي الآن بقولة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يلخص بمضمونها الكثيف ، ويعمم بإمتدادها إلى ما لا نهاية ـ ما لا يحصى من النّصوص القرآنية ، وغيرها ، مما سوف نرى منه غير قليل من الّنماذج خلال دراستنا ، وذلكم قوله عليه الصّلاة والسّلام : «إنّما الأعمال بالنّيّات» (١). وهذه القولة ـ الّتي استخدمناها من قبل لإثبات النّيّة المباشرة ، كشرط صحة ، أعني : شرط وجود أخلاقي ـ يمكن أن تساعدنا أيضا في أن نتناول النّيّة بصورة أعمق ، بإعتبارها معيارا للقيمة ، وشرطا أخيرا للثواب ، والعقاب.
هذا الإستخدام المزدوج للنصّ ، والّذي جرى عليه من قبل جميع المفسرين ـ يجد تسويغه أوّلا في اشتقاق الكلمة العربية : نيّة [intention ـ]. فهذا اللّفظ في
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٣ ح ١ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ١١٣ ح ٣٨٨ ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٦٢ ح ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١٤١٣ ح ٤٢٢٧ ، المعجم الأوسط : ١ / ١٧ ح ٤٠ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ١١٨ ح ٤٠١.