وقد نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ، لأننا لو افترضنا أنّ هذا العلاج الأخلاقي قد استمر ، ونجح ، لبقي أنّ الفطرة الحسية لم تنعدم لذلك. فهذا القدر الكبير من الأفكار ، ومن المطامح ، ومن العادات الّتي اكتسبت من جديد ـ يمكنه فعلا أن يحدّ من سلطان ميولنا الغريزية ، أو يخففها ، ومع ذلك فإنّ هذه الميول تظل ماثلة ، ولا يختنق صوتها قط اختناقا كاملا ، بل إنّ الأمر ليصل أحيانا ، عند ما يتزامن أمر العقل مع دافع الأنانية ، أننا لا ندري ـ على وجه القطع ـ لأي الأمرين خضعنا.
ويجب أن نلاحظ جيدا أنّ الّذين قد يتسلط عليهم هذا الشّك ليسوا هم العامّة من النّاس أولئك الّذين يطلقون العنان لأهوائهم ، وليسوا أيضا هم حديثو العهد بالدين ، فهم قلما يتنبهون إليه. فمن الواضح أنّهم لما كانت مبادئهم حتّى الآن متفردة ، لا تزاحمها مبادىء أخرى مضادة ، فلا مجال لأن يخطئوا تبين المبدأ الواقعي الّذي يلهم أعمالهم ، ولن يكونوا بحيث يفسرون نواياهم الخاصة بتشابه الأقوال ، أو الصّور ، عند ما تبدو لهم مظلمة ، أو غامضة.
وإنّما يقع في هذا الصّالحون من النّاس ، أولئك الّذين قد يجدون ، بحقّ ، كلّ عناء في تمييز دوافعهم الحقيقية ، وفي تهدئة وساوسهم في هذا الموضوع.
وبالرغم مما يبدو في هذا من تناقض ، فمن الممكن القول بأنّه على قدر ما يحققون من تقدم أخلاقي يجب أن تزداد مخاوفهم من ألا تسترهم في نظر أنفسهم تلك الطّبقة السّميكة من مكتسباتهم الجديدة ، فتدفعهم إلى الإعتقاد بأنّهم إنّما يعملون دائما حبّا في الفضيلة.