ألا يحدث في الواقع أن يكتشفوا أحيانا ، وبعد فوات الأوان ، أنّهم كانوا في ذلك مخدوعين ، وأنّهم إنّما كانوا يعملون في هذه المناسبة ، أو تلك لإرضاء النّزعة الخفية من طبيعتهم؟
ولكن هل يمكن لهذه الأسرار العميقة ، الّتي تنزع غالبا إلى أن تختفي عن أكثر الإختبارات دقة ـ أيمكن أن تغيب عن رقابة الله الّذي هو (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ؟) (١) (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟) (٢).
ولهذا نجد في الأخلاق الدّينية ـ أكثر من أية أخلاق أخرى ـ ضرورة تفرض نفسها على كلّ فرد ، هي أن يستعمل الدّقة ، وعمق النّظر في إختبار ضميره ، بقدر ما يمارس من جهد شجاع لتحرير نفسه من كلّ تأثير ، سوى التّأثير الّذي يفرضه الشّرع ، ويرضاه.
والحقّ أنّه لا يوجد شرع عادل يكلفنا بأن نحمل أكثر مما تطيق فطرتنا ، حتّى ندرك ما لا نستطيع إدراكه ، أو نجاهد ما لا نطيق هزيمته. ولكنا عند ما توقفنا قوة هذه الفطرة ، قبل أن نصل إلى نهاية الطّريق ، «فعند نقطة الإيقاف هذه يختلف موقف الضّمير الّذي يخضع لقانون العقل وحده ، عن موقف من يخضع لقانون الجلال ، والفضل الإلهي ، وإليكم نقط الخلاف هذه» :
فمن النّاحية العقلية ، تبعا لوجهة النّظر الّتي نأخذ بها ، وتبعا لمزاجنا أيضا ـ نرى أنّ العجز عن «فعل الأحسن» الّذي نجد أنفسنا فيه لا بد أن يترجم في
__________________
(١) المائدة : ٧.
(٢) الملك : ١٥.