وإذن ، فهو حوار حي ، بين لطف ، وهمة ، وشجاعة ، وأمل ، وهو حوار يتعهد شعلتنا ، دون أن يحرقنا بها ، ويرطب قلوبنا دون أن يسلبها حميتها ، فكلّ شيء متوازن ، ومتناسب ، وهذا هو مجموع الشّروط الضّرورية ، والكافية لبناء عمل دائم ، وخصب. فهل تستطيع النّزعة الأخلاقية أن تجد في غيره بيانا أفضل؟.
والآن ، إذا كنّا قد أثبتنا مبدأ النّيّة العام ، وبعد أن حددنا أنّه لا يمكن أن يعني مطلقا نيّة سطحية ، أو مصطنعة ، بل لا مناص من دوافع حقيقية تتعمق في أنفسنا ، كيما تجد فيها جذورها العميقة ، وتطهرها ـ نستطيع الآن أن نشارف الموضوع الرّئيسي في هذا القسم ، ألا وهو دراسة المجموعات المختلفة لهذه الدّوافع ، وتمحيص نظمها في الأخلاق الإسلاميّة ، كلّ على حدة.
وفي أثناء هذه الدّراسة للنّيّة الغائية ، سوف نصادف كلّ نوع منها ، ابتداء من أجدرها بالمدح ، حتّى أحقها بالذم ، مارّين بمنطقة وسيطة ، في مستوى عادي ، يمكن أن توصف باللامبالية ، ولو لم يرق ذلك في نظر بعض الأخلاقيين ، والمتصوفة المسلمين ، إذ كيف نجمع في حكم واحد رفضا لمبدأين متباعدين ، أحدهما عن الآخر ، المبدأ الّذي يقف ضد الشّرع ، والآخر الّذي يمكن برغم كلّ شيء أن يجعل الشّرع أكثر فاعلية؟.
ألم يعلمنا القرآن ، والسّنّة بطريقتهما في تقدير الأمور ـ أنّ بين الطّرفين من (الخير ، والشّر) ـ مكانا للفظ وسط ، وأنّ بين «المأمور به» و«المنهي عنه» يوجد المسموح به ، أو «المباح»؟.
إنّ في القرآن ثلاثة تعبيرات هي : (كتب عليكم ـ حرّم عليكم ـ وأحلّ لكم) ، وهي أكثر التّعبيرات شيوعا ، والقرآن يعين بها المجموعات المختلفة في