يخشاها تفرض عليه ـ عادة ـ هذا الموقف الصّوفي الّذي يكل فيه كلّ أموره إلى الله ، طالبا عونه ، ملتمسا إحسانه ، وها هو ذا القرآن يدعونا صراحة بقوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (١) ، وقوله : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) (٢) ، والسّنّة تعلمنا أيضا : «أنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصّلاة» (٣).
فإذا سلمنا بهاتين النّقطتين كان في ذلك حصر للمجال المتطرف.
وفي مقابل ذلك يفسح له المجال المقابل ـ في نقطة مهمة حين يحدد دور المشاعر المذكورة آنفا. ذلك أنّ المبدأ العام ، وإن كان يعترف بقيمتها الذاتية ، ويعلن أنّ الهروب من الألم ، والبحث عن السّعادة بوسائل صالحة إنّما ينبثق عن اتجاهات جدّ مشروعة ، فليس بوسعه أن يذهب إلى حدّ منحها جزاء أخلاقيا عند ما تؤدي في الضّمير دور المحرك الأوّل إلى الواجب ، لأنّ ذلك معناه سنّ أمور لا يزكيها شيء في القرآن.
وهنا نقطة لا نغلو في الإلحاح عليها ، وهي نقطة ألقى إغفالها قدرا من الإختلاط المؤسف في كثير من الأذهان ، بين فكرتين متميزتين تمام التّميز في التّعاليم القرآنية : بين «النّيّة» ، وهي موقف الفاعل الأخلاقي ، و«الجزاء» ، وهو ردّ الفعل من المشرع ، ولقد أثبت القرآن الواجبات من جهة ، وأثبت نتائجها الجزائية من جهة أخرى ، فإذا شرفت الفضيلة ، وأثيبت وإذا ما استنكرت الرّذيلة
__________________
(١) البقرة : ٤٥ ـ ١٥٣.
(٢) الأعراف : ٥٦.
(٣) انظر ، مسند أحمد : ٥ / ٣٨٨ ح ٢٣٣٤٧ ، من طريق حذيفة بن اليمان ـ والعبارة : (كان إذا حزبه أمر صلّى) ـ (المعرب). وانظر ، المعجم الصغير : ١ / ١٢٠ ح ١٧٢ ، شعب الإيمان : ٣ / ١٥٤ ح ٣١٨١ ، تعظيم قدرة الصلاة : ١ / ٢٣١ ح ٢١٢ ، صحيح ابن حبّان : ٦ / ٣٦٩ ح ٢٦٤٢.