وعوقبت ، فهل في ذلك غير العدالة؟. ولكن شتان ما بين أن نعين لأعمالنا عاقبتها ، وأن نقترح على الإرادة مبدأ يلهمها ، وذلكم هو ما صاغه القرآن في مواضع كثيرة ، فهذا المبدأ مختلف تماما ، إذ هو المثل الأعلى ، والإنسان الّذي يؤدي واجبه بالخوف ، أو بالرجاء ، والّذي يتخذ من توقع مصيره في الحياة الآخرة قوة محركة لإرادته الطّائعة ، هذا الإنسان لا يقتصر عمله على خلط وتوحيد نوعين مختلفين من الغائية : الغاية الوجودية : (الثّمرة) ، والغاية الأخلاقية : (الهدف) ، ولكنه أيضا يغفل شرطا جوهريا عن العاقبة الموعودة ، لأنّ القرآن خط له طريقا يتبعه ، وأثبت له سعيا يقوم به ، من أجل أن ينتهي إلى هذه الحياة السّعيدة : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (١) ، وليست الجنّة إلّا للقلوب السّليمة ، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٢) ، والقلوب الرّاجعة إلى الله : (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) (٣). ولكن إذا كان التّقارب قد تمّ على هذا النّحو بين المذاهب المتعارضة ، فهل يؤدي ذلك إلى اندماجها؟ .. ليس بشكل تام برغم هذا ، فإنّ النّقطة المتنازع عليها تظل كما هي.
فعلى حين أنّ النّظرية المتشددة تحكم دائما بالكدرة ، والدّنس على كلّ ما ليس طاهرا نقيا إلى الحدّ الوارد في قول الله تعالى : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) (٤) ـ ترى النّظرية المتسامحة أنّ بين الطّهارة المطلقة ، الّتي هي موضوع
__________________
(١) الإسراء : ١٩.
(٢) الشّعراء : ٨٨ ـ ٨٩.
(٣) سورة ق : ٣٣.
(٤) البقرة : ٢٧٢.