ولكنه أرفع قدرا ، وأقل غرضا من حساب المضاربين جميعا ، إذ أنّ مخاطره في نظر العقل العملي السّليم أكبر بكثير من فرص نجاحه ، غير أنّ الإنسان يوافق عليها ، ويرتضيها إلى حدّ التّضحية العليا ، بفضل الثّقة وحدها.
وقد يلح بعضهم أيضا بإدعاء المساوىء الأخلاقية الّتي قد ننتج من قلب العلاقة بين الغاية ، والوسيلة. وهنا لا بد من وضع الأمر في نصابه : ما مقياس هذا القلب؟ .. إنّه ـ كما رأينا ـ الإستقلال الّذي يمنح للمنفعة على حساب الواجب. ولنسأل إذن أي مؤمن : إذا كانت هذه يمكن أن تكون حالته في أيّة لحظة؟ .. أو فليلق على نفسه ـ بالحريّ ـ الأسئلة الآتية.
لو أنّي تصورت المحال ، لأرى أنّ العمل بالشرع ليست له أية مكافأة ، فهل أفكر حينئذ في أن أطلب عليه بعض الأجر؟ ..
وإذا كان انتهاك الواجب لا يستتبع أية عقوبة فهل يضعف بسبب ذلك ، تمسكي بطاعته؟ ..
وإذا كنت لسبب ما مطمئنا إلى أنّ جميع ذنوبي سوف تغفر فهل تكون هذه بالنسبة إليّ فرصة لإرتكابها؟ ألا يكون كلّ هذا بالأحرى سببا إضافيا لكي أثبت كما قال الرّسول صلىاللهعليهوسلم أنّي عبد شكور؟ (١) واستمع إلى هذا التّأمل من الشّاعر (٢) :
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٣٨٠ ح ١٠٧٨ و : ٤ / ١٨٣٠ ح ٤٥٥٦ و : ٥ / ٢٣٧٥ ح ٦١٠٦ ، «أفلا أكون عبدا شكورا». انظر ، مسند أحمد : ٤ / ٢٥٥ ، المعجم الأوسط : ٢ / ٣٣٦ ح ٢١٥٤ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ٢٧١ ، سنن التّرمذي : ٢ / ٢٦٨ ح ٤١٢ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٩ ح ٣١١ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢١٧١ ح ٢٨١٩ و : ٤ / ٢١٧٢ ح ٢٨٢٠ ، تفسير القرطبي : ٤ / ٣١٠ ، سنن البيهقي الكبرى : ٧ / ٣٩ ح ١٣٠٥٢ ، مسند أبي عوانة : ١ / ١٧٤.
(٢) تنسب هذه الأبيات إلى الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، كما جاء في بحار الأنوار : ٧٨ / ٦٩ ح ١٦٣ ، التخويف من النّار لابن رجب الحنبلي : ١٧.