نهاية العمر.
فمن ذلك الإنسان ، الّذي يدّعي بيقين أنّه استوفى هذين الشّرطين ، حتّى أشدّ النّاس طاعة ، وخضوعا؟ ..
وهل تكون المكافأة العظيمة الّتي يمكن تصورها من القوة بحيث تحرك هذه النّفس القلقة ، نفس المؤمن ، إنّ هذا القلق تعبر عنه أصدق تعبير الآيتان الكريمتان : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (١)؟ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) (٢).
بيد أنّ فاعلية الشّعور المضاد ليست بأقل إثارة للجدل ، فهل توقع العقاب في الحياة الأخرى ، مهما يكن فظيعا ، يكفي حقا لقهر الإغراء الحاضر للشر ، وتحويل الإرادة عنه؟ .. إنّ لنا الحقّ أن نشك في هذا ، بقدر ما نضع في مواجهة ذلك الإنذار سعة الرّحمة الإلهية.
وإذن ، فلا يصح من النّاحية العامّة أن تطغى إحدى هاتين الفكرتين بمفردها ، على ضمائر المؤمنين ، وذلك ما تنبغي ملاحظته في وصف القرآن للأنفس الصّالحة ، فهو يقدمها إلينا في الواقع متأثرة بالحالتين المتعارضتين في وقت واحد : الخوف والرّجاء ، وانظر مثلا قوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٣) ، وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) (٤) ، وقوله : (أَمَّنْ هُوَ
__________________
(١) الأحقاف : ٩.
(٢) المؤمنون : ٦٠.
(٣) الأعراف : ٥٥ ـ ٥٦.
(٤) الإسراء : ٥٧.