وبقيت بعض المنافذ الّتي يمكن أن يتصورها ، وينجح فيها أولئك الأغنياء قساة القلوب ، حتّى يتهربوا من العدالة الإنسانيّة ، فهل بوسعهم أن يكونوا مطمئنين إلى الهروب بهذه الوسائل من العدالة الأبدية؟ ..
لقد ساق القرآن لنا في هذا الموضوع عبرة : فإنّ أصحاب الجنّة أقسموا عشية الحصاد أن يذهبوا إليها مبكرين ، خفية ، حتّى لا يلفتوا إليهم انتباه المساكين ، وبذلك يطرحون عن كاهلهم عبء اقتطاع جزء محتمل من ثرواتهم ، ويا لها من مفاجأة سيئة طالعتهم حين وصلوا إلى جنتهم ، لقد طاف على ثمراتها جميعا طائف العذاب الرّباني ، فدمرها وهم نائمون (١).
٣ ـ «نيّة الحصول على كسب غير مشروع» :
ويكثر استعمال هذه الوسائل المنحرفة بصورتها الثّانية ، في الحياة اليومية لبعض رجال الأعمال ، المهتمين بإنقاذ مظهر الشّرعية.
__________________
ـ الصحيحين : ١ / ٥٤٨ ح ١٤٤١ ، الكافي : ٣ / ٥٣٨ ح ٥ ، سنن الدّارمي : ١ / ٤٦٧ ح ١٦٣٠ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٨ ح ١٠ ، سنن البيهقي الكبرى : ٤ / ٨٦ ح ٧٠٤٠ ، وسائل الشّيعة : ٩ / ١٣١ ح ٣ ، مسند الشّافعي : ١ / ٨٩ ، سنن أبي داود : ٢ / ٩٧ ، الأستبصار : ٢ / ٢٣ ح ٣ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٧٦ ح ١٨٠١ ، بحار الأنوار : ٩٦ / ٥٢ ح ٤ ، موطأ مالك : ١ / ٢٥٨ ، مسند أحمد : ١ / ١١ ح ٧٢.
(١) القصة في سورة القلم : ١٧ ـ ٣٣ (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ،) قال الشّاطبي في الموافقات : ١ / ٢٨٩ «تضمنت الأخبار بعقابهم على قصد التّحيل ، لإسقاط حقّ المساكين ، بتحريهم المانع من إتيانهم ، وهو وقت الصّبح ، الّذي لا يبكر في مثله المساكين عادة».