في نفس الظّروف.
والواقع أنّه لو كان ممكنا أن نكشف ما يجري في فكر المتعاقدين فلربما لم نشهد هذا الخلاف ، ذلك أنّ مالكا من ناحيته لا يمنع في الظّروف العادية أن يبيع المرء مرة أخرى نقدا ، وبسعر أقل ، ما سبق أن اشتراه غاليا وبأجل ، والشّافعي من جانبه لا يوافق على أن يجعل المرء من هاتين العمليتين مجموعا يستهدف به الرّبح الدّنس قصدا ونيّة.
والمشكلة الّتي طرحوها كانت على هذا النّحو فحسب :
لو أننا علمنا أن أجلي «العمليتين الحاصلتين» على وجه الإنفصال ـ لا غبار عليهما ، ولكن جمعهما هو الّذي يثير الإتهام بأنّ لدى صاحبيهما هدفا غير مشروع ، فهل يجب أن نحكم ببطلان عقد كهذا ، كأنّما سوء النّيّة ثابت فيه؟.
فالشافعية يرون أنّه لا يجوز حمل النّاس على التّهم (١) ، ولمّا كانت البراءة هي الأصل ، فيجب الّتمسك بها ، إلى أن يثبت العكس ، وهو ما رده المالكية فقالوا : ليس الأمر هنا أمر تهمة مطلقا ، ولكنه أمر ملاحظة ، وإدراك للواقع في مدلولها العقلي ، وهو المدلول الّذي يصير أيضا أشد وضوحا حين يتعلق بما هو من (أهل العينة) (٢).
وهكذا تدل الطّريقة الّتي يدور بها النّقاش ، دلالة واضحة على أنّ موضوعه لم يكن عملا افترضت فيه نيّة الرّيح عموما ، وأنّ المسألة رغم ذلك تنحصر في
__________________
(١) انظر ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، لابن رشد : ٢ / ١٥٣.
(٢) انظر ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، لابن رشد : ٢ / ١٥٣. ويقصد به الّذي يداين النّاس ، لأنّه عنده ذريعة لسلف في أكثر منه ، يتوصلان إليه بما ظهرا من البيع ، من غير أن تكون له حقيقة. «المعرب».