التّسويغ ، أو التّأثيم ـ ولكن الموضوع انحصر في حالة ملتبسة ، يتعين تفسيرها ، لنعرف إن كانت تخفي ، أو لا تخفي هذه النّيّة الآثمة ، (وبعبارة أدق : إن كان يجب أن نعاملها على هذا النّحو أو لا). فالخلاف كلّه إذن يدور في خاتمة المطاف حول حكم وجود ، لا حكم قيمة ، فإنّ هذا الحكم الأخير لا يرتاب فيه أحد ، ولم يكن كذلك ، مما يدخل في اختصاص القضاء.
وإليك مثالا آخر من الأمثلة الّتي كانت موضوع نقاش من هذا القبيل ، ولسوف يكشف لنا الإتجاه العميق الّذي أدى إلى هذا الخلاف في النّظر ، وذلك هو الوجه الّذي يجب أن نفسر به يمينا ذات معان كثيرة. فبأي مقياس ، يتعين علينا ، أن نحكم على كذب يمين ، أو صدقها ، أقصد اليمين الّتي تأتي ضمن رغبة ، أو قرار شخصي ، بأن يقوم الحالف بفعل شيء ، أو تركه ، لا اليمين الّتي أديت أمام القضاة (١) ، ولا الّتي وردت في وعد خاص ، حيث يشبهها عدد من
__________________
(١) استثنينا اليمين المؤداة أمام المحكمة لأنّها كما قال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد : ١ / ٤٢٨ ، من أنّهم اتفقوا على أن (اليمين على المستحلف) في الدّعاوى ، وهو مقياس ثابت عن النّبي صلىاللهعليهوسلم ، وبموجبه يصبح من العبث اللّجوء إلى ألفاظ غامضة ، أو إلى قيود ذات وجهين ، لتحاشي الكذب الصّريح. والواقع أنّ اليمين يجب أن تحمل على المعنى الّذي يقصده الطّرف الّذي يطلبه ، فإلى جانب الحديث : (اليمين على نيّة المستحلف) ، وقد رواه (شرح النّووي على صحيح مسلم : ١١ / ١١٧ ، وانظر ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٥ / ٥٥٠ ح ٩٠٥٦ ، فتح الباري : ١١ / ٥٧٢ ، تحفة الأحوذي : ٨ / ٢٩٧ ، الدّيباج : ٤ / ٢٥٠ ح ١٦٣٥ ، فيض القدير : ٦ / ٤٦٧ ، كشف الخفاء : ٢ / ٥٣٣ ح ٣٢٣٤ ، سبل السّلام : ٤ / ١٠٢ ، نيل الأوطار : ٩ / ١١١. نجد حديثا آخر في نفس المرجع (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك) ، انظر ، تفسير القرطبي : ٦ / ٢٨٢ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٥ / ٤٨٨ ح ٨٨٤٩ ، فتح الباري : ١٢ / ٣٢٨ ، عون المعبود : ٩ / ٥٨ ، شرح النّووي على صحيح مسلم : ١١ / ١١٧ ، التّأريخ الكبير : ٥ / ٨٣ ، ـ