الفقهاء ، بيمين القضاء؟.
أمّا المالكية فيعتبرون أوّلا نيّة الحالف ، في الأيمان الّتي لا يقضي على حالفها بموجبها ، فإن لم يتضح المعنى الدّقيق الّذي صاغ به الحالف رغبته ، أو اتخذ به قراره ـ وجب الرّجوع إلى المعنى الّذي يعطيه العرف لهذه الصّيغة ، في بيئة الحالف ، وهم يأخذون الصّيغة بمعناها العادي الأكثر شيوعا ، وبذلك يحاولون ، من ناحية إلى أخرى ، أن يتعرفوا على نيّة الحالف بكلّ الوسائل المحتملة ، ليحكموا عليه نتيجة هذا التّعرف ، وهم لا ينتقلون إلى مرحلة أبعد إلّا عند استحالة الوقوف عند أخرى أقرب (١).
ويأتي الأحناف ، والشّافعية على النّقيض من ذلك تماما ، فهم قلما يعنون بمثل هذا التّفتيش عن المعنى ، الّذي لا بد أنّ الحالف أراد أن يعبر عنه ، وإنّما يدخلون مباشرة في الكلمات المنطوقة ، ويتمسكون بمعناه الحرفي ، ومن ثمّ
__________________
ـ كشف الخفاء : ٢ / ٥٣٣ ح ٣٢٣٤ ، فإذا تكلمت بلغة الآخرين ، وقصدت بكلامك معنى آخر ، فمعنى ذلك أنّك تغشهم ، وتغالطهم ، وحرام كما قال الغزالي : أن تلبس في أمر الدّنيا ، حتّى لو قضى دين جماعة ، وخيل للناس أنّه متبرع عليهم ليعتقدوا سخاوته أثمّ ، لما فيه من التّلبيس وتملك القلوب الخداع ، والمكر. (إحياء علوم الدّين للغزالي : ٣ / ٢٩٣) ومع ذلك فقد يعفى عن استخدام هذه المعاريض في حالة ضرورة إنقاذ المرء نفسه من ملاحقة ظالمة.
(١) ذكر أبو الوليد ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد : ١ / ٤٢٨ ، قوله في هذا الصّدد : «وأمّا مالك فالمشهور من مذهبه أنّ المعتبر أوّلا عنده في الأيمان الّتي لا يقضي على حالفها بموجبها هو النّيّة ، فإن عدمت فقرينة الحال ، فإن عدمت فعرف اللفظ ، فإن عدم فدلالة اللّغة. وقيل ، لا يراعى إلّا النّيّة ، أو ظاهر اللفظ اللغوي فقط. وقيل : يراعى النّيّة ، وبساط الحال ، ولا يراعى العرف» ـ وقد ذكرنا هذا النّص ليتضح أنّ المؤلف اجتزأ في تقديم رأي المالكية ببعض ما تذرعوا به إلى معرفة حقيقة اليمين ، ليمكن إصدار حكم معين على أساس نيّة الحالف ، وهذا في غير أيمان القضاء. (المعرب).