وهنا نجد من المناسب أن نتعمق أكثر ، لنكشف عن صيغة التّوفيق بين أحكامنا الأخلاقية.
وإنّا لنعتقد أننا نستطيع العثور على مفتاح الحل في التّفرقة الّتي أثبتها القرآن بين نوعين من الجهد ، أحدهما قد يطلق عليه [جهد المدافعة eliminatoire] effort والآخر هو [الجهد المبدع effort createur] :
آ ـ جهد المدافعة
ونقصد بعبارة (جهد المدافعة) تلك العملية الّتي نضع فيها في مواجهة الميول الخبيثة الّتي تحثنا على الشّر قوة مقاومة قادرة على دفع تأثيرها.
ولا أحد يستطيع أن ينازع في ضرورة عملية كهذه ، كلّما وجدنا أنفسنا أمام قوة معادية تريد أن تتغلب ، فواجبنا الأوّل في هذه اللّحظة ، ومهمتنا العاجلة الملحة هي أن نسكت سورتها. ولقد رأينا أنّ القرآن لا يفتأ في كثير من المواضع يطالبنا بهذه المقاومة ، وهو يعيد أولئك الّذين يعرفون كيف يقهرون شهواتهم بأعظم الغايات ، يقول تبارك وتعالى : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (١).
ومما يذكر هنا كحكم عملي ، من أحكام كثيرة : الصّوم المطلق ، الّذي يفرضه القرآن ، من طلوع الفجر الصّادق إلى غروب الشّمس ، في الجزء الثّاني عشر من
__________________
(١) النّازعات : ٣٤ ـ ٤١.