والتّظاهر. وهكذا يكفي أن نتأمل تعريفات الألفاظ ، حتّى نعرف في أي جانب نضع القيم العليا.
وشأن العمل ، كشأن المعرفة : فلكي «نعمل» ، كما هي الحال حين «نحكم» ، كلا الأمرين يستوجب «رأسمال» يقتطع منه.
وإذا لم يكن في يد الباحث عن الحقيقة نظام من المبادىء الأولية ، ومن القوانين العامّة ، وما دام لا يستطيع أن يحدس بالوجهة الّتي يوجّه إليها بحوثه ـ فإنّ عمله يصبح من أطول الأعمال ، وأشقها.
أمن حقنا أن نقول : إنّ الإنسان يكون عالما بقدر ما يزداد بطؤه في التّوصل إلى الحقيقة؟.
إنّي أتوقع أنّ أحدا لن يوافقني على هذا القول ، ولكن ، ألا يجب علينا أيضا ، منذئذ ، أن نحدد الإنسان الصّالح بأنّه ذلك الّذي يجد رهن تصرفه مجموعة من الوسائل الخاصة القادرة على إسكات صوت الهوى سريعا ، وجعل القرار الحسن أسرع ، وآكد؟ ..
إنّ الأخذ بالرأي المقابل ، الّذي يحدد العمل الأخلاقي بأنّه الّذي يؤدّى مع أكبر قدر من المقاومة ـ معناه الإصرار الغريب على أن يظل الإنسان في المرحلة البدائية ، حيث يكون عرضة لحشد من المشاعر الشّرسة ، غير المستأنسة ، الّتي لا يستطيع مقاومتها إلّا إذا استدعى جهد أكثر المقاتلين يأسا.
هذه المرحلة البدائية الّتي لم ير فيها أكثر فلاسفتنا الأخلاقيين حرصا (١) سوى
__________________
(١) انظر مثلا ، الرعايظة للمحاسبي : الفصل ٥٠.