حالة عابرة ، قابلة لأن تجتاز ، وتستبدل بعكسها ـ ما كان لها بداهة أن تكون «قانونا» ، أو «نظاما شاملا» للقيم. ذلك ، أنّ الحياة الأخلاقية المثلى ـ على هذا الرّأي ـ لن تكون فقط حياة المبتدئين ، والتّلامذة ، بل ستكون بالحري ، حياة الأشرار ، والفاسدين. ولسوف يكون نموذجنا هو الإنسان الّذي لا يستطيع أن يعزم على أن يسير في الحياة بشرف إلّا إذا فرض على فطرته نوعا من العنف المؤلم ، وإلّا إذا أتى بعض الحركات القاسية راغما.
ومع ذلك فإنّ وجهة النّظر هذه هي عكس ما يبدو لنا من موقف القرآن ـ تماما. فلقد رأينا كيف ذم الحقّ تبارك وتعالى ، أولئك الّذين لا يؤدّون واجبهم بمسرة ونشاط ، والّذين (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) (١) ، ورأينا بأي أسلوب فضحهم ، وكشف سترهم؟ ..
وكان أرسطو إذا على حقّ في أن يقول : إنّ الّذي لا يسرّ لأداء الأعمال الطّيبة ليس خيّرا حقا.
لقد تناولنا حتّى الآن الحالة الّتي لا يكون فيها هذا الطّبع الكريم ، والخيّر هبة من الطّبيعة ، بل كسبا للجهد ، والعمل الّذي يؤدّى بعد هذه الهداية ، هو مقابل مقاومة متجمعة ، في الماضي ، قليلة كانت أو كثيرة ، وإن كان أداؤه الآن دون مقاومة كبيرة.
وإنّا لنؤكد أنّ العمل الّذي يتم في هذه الظّروف ـ يرجع الفضل فيه إلى الكفاءة الشّخصية ، فالإنبعاث النّاشيء عن الجهد لا يناقضه ، بل يستشعر فيه أنّه أصله ،
__________________
(١) التّوبة : ٥٤.